هل تكرر الهند أخطاء الماضي في سباقها نحو الذكاء الاصطناعي؟

هل تكرر الهند أخطاء الماضي في سباقها نحو الذكاء الاصطناعي؟

تواجه هيمنة الهند على نشاط التعهيد في قطاع التكنولوجيا تحدياً وجودياً يشبه المعركة التي خاضها قطاع النسيج في البلاد، الذي كان مميزاً في العالم قبل 300 عام.

في بداية العقد الأول من القرن الثامن عشر، كانت عملية غزل 100 رطل من القطن تستغرق 50 ألف ساعة.

ويلاحظ دارون إيسموغلو وسايمون جونسون، أستاذا الاقتصاد في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا"، في بحث جديد أن "عمال الغزل في الهند كانوا يُعتبرون أكثر العمال إنتاجية في العالم، مع أفضل المنتجات من حيث الجودة".

ولكن، بحلول عام 1795، أدت عملية الميكنة إلى تقليص الطلب على العمل إلى 300 شخص/ساعة.

ربما يكون التأثير السلبي العميق الذي صاحب الثورة الصناعية على قطاع غزل القطن على وشك التكرار في معقل عمال الياقات البيضاء الذي تبلغ قيمته 250 مليار دولار.

ففي كل عام، ينتج 5 ملايين هندي مليارات السطور من الأكواد البرمجية لصالح البنوك العالمية والشركات الصناعية وشركات تجارة التجزئة.

لكن بحثاً أجرته شركة "ماكينزي" العام الماضي، أظهر أن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يوفر الوقت الذي يستغرقه إنتاج الأكواد البرمجية بنسبة تتراوح بين 35% و45%، مع خفض زمن التوثيق بمقدار النصف تقريباً.

هذه هي البداية فقط.

فمع تحول الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى صورة ذكاء اصطناعي عام – حيث تنافس الآلات القدرات الذهنية للبشر – قد لا تحتاج حتى أكثر المهام تعقيداً إلى مبرمجين ذوي خبرة.

تقول "ماكينزي" إن التحسن في السرعة "قد يترجم إلى زيادة الإنتاجية بما يتجاوز ما أنجزه التقدم السابق في الإنتاجية الهندسية، مدفوعة بكل من الأدوات والعمليات الجديدة".

ولكن كيف ستوزع هذه المكاسب بين العملاء وبائعي البرمجيات؟ والأهم من ذلك، كيف سيجري اقتسامها بين حاملي الأسهم في شركات التعهيد وموظفيها؟ يستنبط إيسموغلو وجونسون رؤى للتفاعل بين الآلة والعمل من خلال مقارنة عصر الذكاء الاصطناعي ببداية الثورة الصناعية والتحول الذي أحدثته في تفكير ديفيد ريكاردو، الاقتصادي الكلاسيكي اللامع وتاجر السندات والسياسي البارز.

مع الزيادة التدريجية في كفاءة آلة غزل القطن، ظهرت فجأة كمية كبيرة من الغزل الذي ينتظر النساجين، مما أدى إلى ظهور وظائف جديدة مرتفعة العائد.

ويفترض الاقتصاديان في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" أن ريكاردو ربما توصل إلى استنتاجه الشهير بأن "الآلات لم تقلل الطلب على العمالة" أثناء ذلك العصر الذهبي لصناعة النسيج.

لم يغير ريكاردو رأيه إلا عندما انسحبت الأنوال اليدوية من السوق أمام الأنوال التي تعمل بالكهرباء في أوائل القرن التاسع عشر، ولم ينشأ عن ذلك وظائف بديلة للعمال الذين حلت محلهم الآلات.

واعترف في كلمة ألقاها عام 1819 أمام البرلمان البريطاني أن "عدم كفاية الأجور لدعم احتياجات الطبقات العاملة" هو أحد "مصدري الشر العظيمين اللذين ينبغي أن نتوصل إلى علاج لهما".

ما زالت الشركات الهندية متوقفة عند رؤية ريكاردو الأولى، ولا تضخ استثماراً يذكر في مستقبل يفقد فيه نشاطها الحالي بكتابة الأكواد البرمجية أهميته تماماً بفعل الذكاء الاصطناعي.

يعتمد الرأي المتفائل لديها على أن الإنسان يحتاج إلى توجيه وتنشيط النماذج اللغوية الكبرى للذكاء الاصطناعي التوليدي بالأسئلة الصحيحة، وأن معالجة اللغة الطبيعية وهندسة توجيه حلول الذكاء الاصطناعي التوليدي للوصول للنتائج المرجوة (prompt engineering) ستخلق الوظائف الجديدة.

كذلك، قد يوفر العثور على حالات استخدام فريدة من نوعها وبتكلفة معقولة – خاصة باللغات المحلية – وسيلة أخرى لأكبر بلدان العالم من حيث عدد السكان للاستفادة من مواهبها.

تكمن المشكلة في أن الذكاء الاصطناعي سيأتي ومعه آلة الغزل الكهربائية الخاصة به.

وستسترد الشركات تكاليفها الاستثمارية الباهظة من خلال بيع الأجهزة المحسنة والمدعومة به.

كتب نايلش جاساني من "جين إنوف"، وهو صندوق ابتكار عالمي مقره سنغافورة: "نتوقع أن تكون الأجهزة المدعومة بالذكاء الاصطناعي هي الطريقة الوحيدة المستدامة والمجدية التي يبدأ من خلالها المستهلكون والشركات في دفع مقابل ميزات الذكاء الاصطناعي، بما يبرر استثمار مليارات الدولارات في الذكاء الاصطناعي التوليدي".

الحواسيب والهواتف والأجهزة اللوحية التي تحقق ربحاً ونجاحاً قد تتحكم في الوصول إلى أذكى مواقع المحاضرات والملاحة الآلية، وأفضل برامج مساعد المكتب وأكثر الأصدقاء الآليين تعاطفاً.

ولاستخلاص القيمة من هذا العالم الجديد، قد لا يكون أمام شركات التعهيد الهندية خيار سوى محاكاة التحول في شركتي "ألفابت" و"مايكروسوفت".

قبل عشر سنوات، لم تكن هذه الشركات العملاقة في مجال البرمجيات تحتاج إلى استثمار الأموال الطائلة التي كانت تأتيها بشكل روتيني عبر الإعلانات أو الاشتراكات.

لكنهم انتبهوا إلى "إنفيديا" التي ستصبح في ما بعد الشركة الأكثر قيمة في العالم في مجال صناعة الرقائق الإلكترونية من خلال تمكين ثورة الذكاء الاصطناعي، وعبارة أن "الذكاء الاصطناعي يلتهم البرمجيات"، التي قالها الرئيس التنفيذي للشركة جنسن هوانغ في عام 2017.

في الوقت الحاضر، توجه شركتا "ألفابت" و"مايكروسوفت" ثلث السيولة النقدية التي تحصل عليها من نشاطها إلى الإنفاق الرأسمالي.

يبدو أن "إنفوسيس" ومنافستها الأكبر، شركة "تاتا كونسلتانسي سيرفيسيز" للخدمات الاستشارية، قد تجاهلتا الملاحظة.

فالمليارديرات من مؤسسي شركات التعهيد الهندية يتمتعون بإعجاب المجتمع بسبب كل تلك الوظائف والثروة التي ساعدوا في توفيرها.

لماذا يراهنون إذاً بأي منها على مغامرات عالية المخاطر؟ ولكن في نهاية المطاف، فإن سعي المساهمين للحصول على أرباح عالية وإعادة شراء الأسهم قد يعرض مستقبل المهندسين الشباب للخطر.

لم تتمكن المعاهد الهندية للتكنولوجيا التي تتفاخر بها الهند، من توظيف جميع خريجيها هذا العام.

وللمرة الأولى منذ أكثر من ربع قرن، ينكمش نشاط التعهيد في البلاد.

ربما يرتبط بعض هذا الانكماش بالدورة الاقتصادية.

ولكن ماذا لو كان جزء من هذا التراجع ناتجاً عن الذكاء الاصطناعي، مما يعكس الهواجس التي كان ريكاردو يحملها بشأن صناعة النسيج؟ وقد كان محقاً في ذلك –إذ انهارت الأجور الحقيقية للنساجين اليدويين بين عام 1800 وأوائل عشرينيات القرن التاسع عشر.

ويلاحظ الاقتصاديان بـ"معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" أنه "لم نجد أدلة تذكر على تعويض تلك العمالة أو ارتفاع الأجور في الصناعات الأخرى".

لم يفت بعد أوان التغيير.

فهناك الكثير من رؤوس الأموال المتاحة.

حيث تقدم إدارة بايدن مليارات الدولارات في شكل منح وقروض لشركتي "سامسونغ إليكترونيكس" و"تايوان سيميكونداكتور مانيفاكتشرينغ" لإنتاج الرقائق التي ستُستخدم في الذكاء الاصطناعي.

وجمعت شركة "xAI" التي يملكها إيلون ماسك 6 مليارات دولار لتحدي شركة "أوبن إيه آي".

وفي المنطقة المحيطة، يوفر التنافس بين السعودية والإمارات فرصةً مثالية يجب على رواد الأعمال الاستفادة منها، لكن شركات التعهيد الهندية العريقة تفوت هذه الفرصة.

.

المزيد من الأخبار من - sawaliftech