آخر الأخبار
آبل والرسوم الجمركية: التحديات والفرص في ظل سياسة أمريكا أولًا

شعار “أمريكا أولًا” الذي تبناه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كان له انعكاسات عميقة على السياسة الاقتصادية الأمريكية والعالمية. من خلال فرض رسوم جمركية صارمة على واردات السلع من مختلف أنحاء العالم، لم يكن ترامب مجرد صاحب استراتيجية تجارية بل كان يسعى إلى حماية الصناعات الأمريكية وتعزيز الاقتصاد الوطني عبر تحجيم الاستيراد. وقد شملت هذه الرسوم العديد من السلع، من بينها الألومنيوم والحديد والإلكترونيات، مستهدفة الصين والاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك، بالإضافة إلى دول أخرى مثل فيتنام والهند.
من أبرز تأثيرات هذه السياسات كانت الحرب التجارية التي شنها ترامب ضد الصين في عام 2018، والتي أسفرت عن فرض رسوم تصل إلى 50% على بعض السلع. على الرغم من أن الهدف من هذه الإجراءات كان تقليص العجز التجاري وتحفيز الإنتاج المحلي، إلا أن الآثار السلبية على سلسلة التوريد العالمية كانت واضحة، خاصة في قطاع التكنولوجيا.
آبل تحت تأثير الرسوم الجمركية
آبل، واحدة من أكبر شركات التكنولوجيا في العالم، كانت من الشركات التي تأثرت بشكل مباشر بسياسات ترامب. تعتمد آبل بشكل كبير على مصانعها في الصين لتصنيع معظم أجهزتها، بما في ذلك هواتف آيفون الشهيرة. ومع فرض الرسوم الجمركية على المكونات والأجهزة المجمعة في الصين، بدأت الشكوك تتزايد بشأن احتمال رفع أسعار المنتجات أو نقل خطوط الإنتاج إلى دول أخرى مثل الهند وفيتنام.
في خطوة تصعيدية غير مسبوقة، أعلن ترامب عن فرض رسوم جمركية “متبادلة” على أكثر من 180 دولة. وشملت هذه الرسوم العديد من الدول المنتجة للمكونات التي تعتمد عليها آبل:
الصين: 54% إجماليًا (34% جديدة + 20% سابقة)
فيتنام: 46%
الهند: 26%
ماليزيا: 25%
تايلاند: 36%
بالرغم من محاولات آبل المستمرة لتنويع سلسلة التوريد من خلال نقل بعض عملياتها إلى دول مثل الهند وفيتنام، إلا أن هذه البلدان لم تكن بمنأى عن هذه الموجة من الرسوم، مما جعل تلك المحاولات أقل فاعلية على المدى القصير.
سلسلة توريد آبل: من الصين إلى الهند
تعتمد آبل على شبكة توريد معقدة تتضمن العديد من الدول حول العالم. ففي الصين يتم تجميع حوالي 90% من أجهزة آيفون، بالإضافة إلى إنتاج 80% من إجمالي منتجات آبل. رغم محاولات تقليص الاعتماد على الصين منذ عام 2017، فإن الموردين الصينيين لا يزالون يشكلون حوالي 40% من إجمالي شبكة التوريد الخاصة بالشركة. من جهة أخرى، تولت فيتنام دورًا متزايد الأهمية، حيث يتم تجميع نسبة كبيرة من الأجهزة القابلة للارتداء مثل Apple Watch وAirPods، إلى جانب 20% من أجهزة الآيباد.
في الهند، التي تمثل الرهان الاستراتيجي لشركة آبل على المدى الطويل، بدأ تصنيع 10% من طرز الآيفون. تهدف آبل إلى زيادة هذه النسبة إلى 20% في السنوات المقبلة، مستفيدة من السياسات الهندية التي تشجع على التصنيع المحلي.
تأثير الرسوم الجمركية على أسعار الأجهزة
مع ارتفاع الرسوم الجمركية على واردات السلع، كانت آبل أمام خيارين صعبين: إما تحمل التكاليف الإضافية التي ستؤثر سلبًا على هامش الربح، أو نقل العبء إلى المستهلك عبر زيادة أسعار المنتجات. تشير التوقعات إلى أن أسعار أجهزة آيفون قد ترتفع بشكل كبير، بما في ذلك بعض الطرازات المتقدمة التي قد تشهد زيادة بنسبة تصل إلى 100%.
وفقًا لبعض المحللين، ستحتاج آبل إلى رفع أسعار منتجاتها لتعويض التكاليف التي تقدر بنحو 39.5 مليار دولار نتيجة الرسوم الجمركية. على سبيل المثال، من المتوقع أن يرتفع سعر آيفون 16e من 599 دولارًا إلى حوالي 856 دولارًا بعد زيادة الرسوم بنسبة 43%. وفيما يتعلق بسعر آيفون 16 برو ماكس، قد يتجاوز 2300 دولار بعد زيادة بنسبة 43% أيضًا.
هل يكون “صُنع في أمريكا” هو الحل؟
نقل التصنيع إلى الولايات المتحدة كان أحد الحلول التي ناقشتها آبل لتقليل تأثير الرسوم الجمركية، ولكن ذلك ليس بالأمر السهل أو الرخيص. على الرغم من أن التصنيع المحلي قد يوفر بعض الفوائد من حيث تقليل الرسوم الجمركية، إلا أن تكلفة تصنيع الآيفون في الولايات المتحدة ستكون أعلى بكثير، حيث تبلغ تكلفة تجميع الهاتف في الصين حوالي 30 دولارًا، في حين قد تصل إلى 300 دولار في أمريكا.
علاوة على ذلك، يتطلب نقل التصنيع إلى أمريكا وقتًا طويلاً وتكاليف ضخمة، وهو ما يعني أن هذا الخيار لن يكون مجديًا على المدى القصير.
الاستراتيجية الأمريكية: تعزيز الإنتاج المحلي
من جانب آخر، يسعى ترامب من خلال فرض الرسوم الجمركية إلى تشجيع الشركات الأمريكية على نقل إنتاجها إلى داخل الولايات المتحدة، مما يخلق فرص عمل جديدة ويسهم في النمو الاقتصادي المحلي. ورغم أن هذه السياسات قد تحقق أهدافًا على المدى البعيد، إلا أن تحقيق حلم “صُنع في أمريكا” يتطلب استثمارات ضخمة وتخطيطًا طويل الأمد.
الخاتمة
سياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب المتعلقة بالرسوم الجمركية كانت لها تداعيات واسعة على شركات متعددة الجنسيات مثل آبل، التي تعتمد على سلسلة توريد عالمية لتصنيع منتجاتها. ومع تزايد الرسوم الجمركية على المكونات المستوردة، أصبح من غير المؤكد أن تتمكن آبل من الحفاظ على أسعارها الحالية دون تأثير كبير على أرباحها. ورغم محاولات التنويع ونقل بعض التصنيع إلى دول أخرى، لا يزال التحدي قائمًا أمام الشركة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.