آخر الأخبار
الروبوت يفهمك أكثر من صديقك!
يشهد الذكاء الاصطناعي توسعًا كبيرًا في التأثير على مختلف جوانب الحياة الإنسانية، فلم يعد يقتصر على تحليل البيانات فقط، بل أصبح عنصرًا محوريًا يعيد تشكيل طرق التواصل، العمل، وحتى الحياة اليومية. من نماذج الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT إلى مولدات الفيديو الذكية، باتت الحدود بين التكنولوجيا والتجربة الإنسانية أكثر ضبابية. لكن يبقى السؤال الأهم: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتعرف على مشاعرنا عبر الإنترنت؟
وفقًا لدراسة حديثة نشرها موقع “ذا كونفيرسيشن”، تم التركيز على مدى قدرة الذكاء الاصطناعي على كشف المشاعر البشرية في المنشورات على منصة X (المعروفة سابقًا باسم تويتر). ركزت الدراسة على تحليل تأثير المشاعر المعبر عنها في المنشورات التي تتعلق بمنظمات غير ربحية، وكيف تؤثر هذه المشاعر على القرارات مثل التبرع لتلك المنظمات لاحقًا.
تحليل المشاعر وأثره على القرارات
عادةً ما يتم استخدام تقنية “تحليل المشاعر” لتصنيف المنشورات إلى فئات مثل إيجابية، سلبية، أو محايدة. على الرغم من أن هذه الطريقة تبدو بسيطة وسهلة الفهم، إلا أنها لا تعكس التعقيد الكامل للمشاعر الإنسانية. على سبيل المثال، هناك فرق كبير بين مشاعر الغضب وخيبة الأمل رغم أنهما يُصنَّفان على أنهما مشاعر سلبية. الغضب يمكن أن يؤدي إلى ردود فعل أكثر قوة مقارنة بخيبة الأمل، لا سيما في سياقات الأعمال حيث قد يتفاعل العملاء الغاضبون بشكل أسرع وأشد من العملاء المحبطين.
الذكاء الاصطناعي وفهم المشاعر الدقيقة
لمعالجة تلك الفجوات في التحليل التقليدي للمشاعر، طوَّر الباحثون نموذجًا متقدمًا من الذكاء الاصطناعي قادرًا على تحديد مشاعر محددة مثل الفرح، الحزن، الغضب، والاشمئزاز، بناءً على النصوص المكتوبة في التغريدات. وقد أظهرت الدراسة أن المشاعر المعبر عنها في تلك التغريدات تعكس مشاعر الجمهور العامة تجاه منظمات غير ربحية معينة، وكان لهذه المشاعر تأثير مباشر على سلوكيات التبرع.
استخدمت الدراسة نموذج “تعلم نقل المحول”، وهو خوارزمية متطورة تم تدريبها على مجموعات بيانات ضخمة من قبل شركات تقنية كبرى مثل Google وFacebook. هذا النموذج يمتاز بقدرته العالية على فهم اللغة الطبيعية، وهو ما يجعله أداة مثالية لتحليل النصوص المكتوبة. تم تعديل النموذج ليتماشى مع أربع مجموعات بيانات تحتوي على أكثر من 3.6 مليون جملة تعبر عن مشاعر معينة، بالإضافة إلى سبع مجموعات بيانات إضافية تحتوي على 60000 جملة تقريبًا. هذا التحليل سمح بإنشاء خريطة شاملة لمجموعة متنوعة من المشاعر التي يعبر عنها المستخدمون عبر الإنترنت.
أظهرت الدراسة أن النموذج استطاع اكتشاف الفرح بنسبة دقة تصل إلى 84٪. على سبيل المثال، سيكتشف النموذج العاطفة السائدة في تغريدة تقول “بدأنا صباحنا في المدارس بشكل رائع! كل الابتسامات للأطفال”، باعتبارها تعبيرًا عن الفرح. في المقابل، سيلتقط النموذج الحزن من تغريدة مثل “أشعر أنني فقدت جزءًا من نفسي. لقد فقدت أمي منذ أكثر من شهر، وأبي منذ 13 عامًا. أنا ضائع وخائف”.
ما يُثير الاهتمام في نتائج البحث هو أن المشاعر المختلفة تؤدي إلى استجابات متباينة. على سبيل المثال، التغريدات التي تعبر عن الحزن كانت أكثر عرضة لتحفيز التبرعات لمؤسسة فريد هولوز، بينما ارتبطت التغريدات التي تعبر عن الغضب بزيادة التبرعات لجامعة أوكلاند.
تحليل المشاعر ليس مفيدًا فقط في التبرعات؛ يمكن أن يكون له تأثير كبير في مجالات مثل التسويق والتعليم والرعاية الصحية. القدرة على تحديد مشاعر الجمهور تجاه منتجات أو خدمات معينة يمكن أن تساعد الشركات في تقديم ردود فعل مخصصة لكل فرد. على سبيل المثال، إذا عبر شخص عن غضبه من خدمة معينة، قد تحتاج الشركة إلى الاستجابة بسرعة لتجنب فقدان العميل. في حين أن الشعور بالحزن يمكن أن يدفع الناس إلى تقديم تبرعات لمنظمات غير ربحية، يمكن أن يحفز الغضب الناس على اتخاذ إجراءات ضد الظلم أو التحديات التي تواجهها تلك المنظمات.
ومع ذلك، يفتح هذا الباب أمام عدد من التحديات الأخلاقية. إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا على قراءة مشاعرنا، كيف يمكننا ضمان عدم إساءة استخدام هذه القدرة؟ كيف نحمي خصوصيتنا؟ هذه أسئلة يجب معالجتها مع استمرار تطور هذه التكنولوجيا. على الرغم من الفوائد الواضحة، فإننا بحاجة إلى وضع ضوابط صارمة لحماية الأفراد من التلاعب العاطفي المحتمل.
بينما تُظهر هذه الدراسة القدرة الكبيرة للذكاء الاصطناعي على تحليل النصوص واكتشاف المشاعر، فإن الخطوة الكبيرة التالية في هذا المجال قد تأتي من دمج مصادر بيانات أخرى، مثل نبرة الصوت أو تعابير الوجه. تخيل نموذجًا للذكاء الاصطناعي لا يقرأ فقط ما تكتبه، بل يفهم أيضًا كيف تشعر بناءً على تعبيرات وجهك أو طريقة حديثك. هذه التطورات قد تؤدي إلى إنشاء ملفات عاطفية أكثر دقة وشمولية للأفراد.
لكن مع كل تلك الإمكانيات، تأتي المسؤولية. علينا أن نتساءل: إلى أي مدى يجب أن يُسمح للذكاء الاصطناعي بالتغلغل في حياتنا؟ وكيف نضمن أن هذه التكنولوجيا تعمل لصالح الإنسانية، وليس ضدها؟