آخر الأخبار
ثورة طبية في قلب الذكاء الاصطناعي: كيف تنبأ العلماء بالسكتة القلبية قبل حدوثها؟

في عالم الطب، هناك لحظات تُحدث فارقًا حقيقيًا في حياة الملايين، وتعد واحدة من هذه اللحظات المثيرة تلك التي استطاع فيها العلماء تجاوز حدود العلم التقليدي، واستخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالسكتة القلبية المفاجئة قبل أن تحدث. تخيل أن أحدهم يعيش حياته بشكل طبيعي، ولا يعاني من أي أعراض أو مشاكل صحية ظاهرة، ثم تأتي لحظة مفاجئة، ليجد نفسه في خطر قد يودي بحياته في لحظة. لكن ماذا لو كان بإمكاننا التنبؤ بهذا الحدث قبل حدوثه؟ وماذا لو كان الذكاء الاصطناعي هو المفتاح لتغيير هذه القاعدة؟
كل ذلك أصبح ممكنًا، بفضل دراسة جديدة نشرها العلماء في European Heart Journal. فقد استطاع الباحثون التوصل إلى اكتشاف مثير: باستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن تحديد الأشخاص المعرضين للسكتة القلبية المفاجئة قبل وقوعها بفترة تصل إلى أسبوعين، وهذا الاكتشاف قد يحدث تحولًا جذريًا في علاج مرضى القلب.
رحلة مع الذكاء الاصطناعي
قبل بضع سنوات، بدأ الباحثون في معهد Inserm وجامعة باريس سيتي ومستشفى AP-HP بتطوير شبكة عصبية اصطناعية، تستفيد من قدرة الذكاء الاصطناعي لتحليل تخطيط القلب الكهربائي. كان الهدف هو محاكاة آلية الدماغ البشري لمعالجة بيانات معقدة للغاية. هذه الشبكة العصبية كانت خطوة كبيرة نحو تطوير أداة تُمكن الأطباء من الكشف عن أي اضطراب قد يتسبب في السكتة القلبية.
أكثر من 240,000 تخطيط كهربائي للقلب تم جمعه من مرضى من ست دول حول العالم: الولايات المتحدة، فرنسا، المملكة المتحدة، جنوب أفريقيا، الهند، وتشيكيا. وكان كل هذا بمثابة رصد دقيق لنبضات القلب التي تساهم في بناء قاعدة بيانات ضخمة، تمكن الذكاء الاصطناعي من تحديد الأنماط المرتبطة باضطرابات نظم القلب التي قد تتحول إلى سكتات قلبية.
كشف النقاب: الذكاء الاصطناعي يُظهر قدراته
في بداية الدراسة، لم يكن العلماء متأكدين من مدى قدرة هذه الشبكة العصبية على التنبؤ. لكن النتائج كانت مذهلة. فبفضل الذكاء الاصطناعي، تمكن الباحثون من تحديد المرضى الذين لديهم احتمال كبير للإصابة باضطراب مهدد للحياة، وبدقة وصلت إلى 70%. الأهم من ذلك، أن الذكاء الاصطناعي أظهر دقة تصل إلى 99.9% في تحديد الأشخاص غير المعرضين للخطر. كان ذلك أكثر من مجرد كشف للأطباء؛ كان إنذارًا مبكرًا يُمكّنهم من اتخاذ تدابير وقائية قبل فوات الأوان.
السكتة القلبية المفاجئة: العدو الصامت
ولكن لماذا يعد هذا الاكتشاف بهذه الأهمية؟ السكتة القلبية المفاجئة هي واحدة من أخطر الأمراض التي تودي بحياة أكثر من 5 ملايين شخص سنويًا في جميع أنحاء العالم. ما يميزها هو أنها تحدث فجأة، دون أي تحذيرات مسبقة، حتى لدى الأشخاص الذين لم يشخصوا أبدًا بأمراض قلبية. إنها مثل العدو الخفي الذي يهاجم في لحظة، وتكون عواقبه مدمرة.
ومع ذلك، أصبح اليوم لدينا أمل جديد. من خلال الذكاء الاصطناعي، يمكننا أن نرى هذه الهجمات قبل أن تحدث، ونتحرك بسرعة لتجنبها.
التعاون الدولي: هل نحن على وشك دخول مرحلة جديدة في الطب؟
قد يتساءل البعض: هل يمكن لهذا الاكتشاف أن يكون نقطة انطلاق لمرحلة جديدة في الرعاية الصحية؟ الجواب هو نعم. فالباحثون الذين عملوا على هذا المشروع لا يتوقفون عند هذا الحد، بل يطمحون إلى تطبيق هذه التقنية في المستشفيات، حيث يمكن للأطباء رصد المرضى المعرضين للخطر بشكل يومي. لكن الأمر لا يتوقف هنا. هناك إمكانية أيضًا لدمج هذه الشبكة العصبية في أجهزة مثل جهاز الهولتر المتنقل، الذي يُستخدم لمراقبة نبضات القلب، وكذلك في الساعات الذكية التي يمكن أن تراقب بشكل مستمر صحة القلب، وتوجه إنذارات في حال وجود أي اضطراب.
الأمل في المستقبل: إنقاذ الأرواح
وفي حديث له، قال البروفيسور إيلو مارجون، مدير الأبحاث في مركز PARCC وأستاذ أمراض القلب في جامعة باريس سيتي: “ما نراه هنا هو تحول جذري في كيفية الوقاية من السكتة القلبية المفاجئة. لم نكن قادرين على التنبؤ بحدوثها في المدى القصير، لكن اليوم أصبح بإمكاننا أن نرى ما سيحدث في الأيام المقبلة، ما يسمح لنا باتخاذ الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب.”
قد تكون هذه بداية ثورة في الطب. ومع تطور هذه التقنية، يمكن أن تُحدث ثورة حقيقية في علاج أمراض القلب، وتقليل الوفيات الناتجة عن السكتات القلبية المفاجئة.
الطريق نحو المستقبل
لكن، كما هو الحال مع أي اختراع طبي جديد، هناك حاجة لإجراء المزيد من الدراسات السريرية لاختبار فعالية هذه التقنية في الواقع. لكن العلماء واثقون أن الذكاء الاصطناعي سيكون له دور كبير في مستقبل الطب، وخاصة في الوقاية من السكتات القلبية المفاجئة، وهو ما قد يُنقذ حياة ملايين الأشخاص حول العالم.
مع هذا الاكتشاف الرائع، أصبح لدينا أمل جديد. الأمل في أن تصبح السكتات القلبية المفاجئة أقل شيوعًا، وأن نتمكن من التنبؤ بها، وبالتالي الوقاية منها. رحلة بدأت باستخدام الذكاء الاصطناعي قد تنتهي بتغيير جذري في رعاية مرضى القلب، ونهاية مأساة يعاني منها الملايين.