آخر الأخبار
مشروع “التحقق الرقمي” عبر مسح قزحية العين: خطوة جديدة لتمييز البشر عن الذكاء الاصطناعي

في خطوة قد تعيد تعريف مفاهيم الهوية والتحقق في العصر الرقمي، أطلق سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، مشروع “التحقق الرقمي” القائم على مسح قزحية العين، والذي يدخل حيز التنفيذ التجريبي هذا الأسبوع في بريطانيا. ويأتي هذا التوسع كجزء من مشروع Worldcoin، وهو مبادرة طموحة تهدف إلى إنشاء نظام عالمي للتحقق من الهوية يعتمد على السمات البيومترية، ويتيح التمييز بين البشر والآلات في عالم يزداد فيه الاعتماد على الذكاء الاصطناعي.
وفقاً لما نشرته صحيفة “فاينانشيال تايمز”، ستُتاح لسكان لندن إمكانية الوصول إلى مواقع مختارة لمسح أعينهم رقمياً باستخدام جهاز يُعرف باسم “The Orb”، وهو جهاز كروي يقوم بمسح قزحية العين وإنشاء هوية رقمية مشفّرة تثبت أن الشخص المعني إنسان حقيقي. ويمكن استخدام هذه الهوية الرقمية للوصول إلى خدمات ومنتجات على الإنترنت، بالإضافة إلى منح المستخدم عملة رقمية تُعرف باسم “Worldcoin”.
هذا المشروع يكتسب أهمية متزايدة في ظل التقدم الهائل في تقنيات الذكاء الاصطناعي، لا سيما مع تنامي قدرة النماذج الذكية على محاكاة السلوك البشري بدرجة عالية من الدقة. ويتوقع مطورو Worldcoin أن يصل حجم المحتوى المُنتَج بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى ما نسبته 90% من إجمالي المحتوى على الإنترنت خلال العامين القادمين، وهو ما يطرح تحديات كبيرة في مجال الأمن الرقمي ومصداقية الهوية عبر الإنترنت.
“The Orb”: هوية بيومترية للمستقبل
جهاز “The Orb” هو حجر الأساس في هذه المبادرة؛ إذ يعمل على مسح قزحية العين، ثم يطابقها مع قاعدة بيانات مشفّرة دون تخزين البيانات مركزياً، كما تؤكد الشركة. والهدف هو إنشاء ما يُعرف بـ”إثبات الإنسانية” (Proof of Personhood)، وهي فكرة تقوم على التحقق من أن المستخدم ليس روبوتاً أو برنامج ذكاء اصطناعي، بل إنسان حقيقي ذو هوية بيولوجية مميزة.
تمكنت الشركة من جمع تمويلات تجاوزت 135 مليون دولار مؤخراً، لدعم عمليات التوسع الدولية وصناعة المزيد من أجهزة The Orb، وذلك بمساهمة مستثمرين كبار مثل Andreessen Horowitz وBain Capital Crypto. ورغم أن المشروع لم يحقق أرباحًا مباشرة حتى الآن، إلا أنه يختبر نماذج ربح مستقبلية، مثل فرض رسوم على الشراكات مع منصات تقنية كبرى، ومن بينها شركة Match Group المالكة لتطبيق Tinder.
التحديات القانونية والانتقادات
ورغم الطموحات العالية لمشروع Worldcoin، إلا أنه لا يخلو من التحديات القانونية والأخلاقية. فقد واجه المشروع انتقادات واسعة في عدة دول أوروبية من بينها إسبانيا والبرتغال، حيث أبدت الهيئات التنظيمية قلقها إزاء مدى أمان البيانات البيومترية واحتمال إساءة استخدامها. كما خضع للتحقيق من قبل هيئة حماية البيانات الألمانية، التي تسعى إلى التأكد من امتثال المشروع للمعايير الأوروبية الصارمة المتعلقة بالخصوصية.
إلا أن مسؤولي المشروع يؤكدون أن النظام مصمم بطريقة تحافظ على خصوصية المستخدمين بشكل صارم؛ حيث يتم تخزين بيانات القزحية على الجهاز المحلي للمستخدم فقط، دون رفعها أو تخزينها على خوادم مركزية، وهو ما يعتبره البعض خطوة إيجابية نحو تعزيز الثقة في النظام.
ما الذي تعنيه هذه التقنية لمستقبل الإنترنت؟
أهمية مشروع التحقق الرقمي لا تقتصر على مسألة تحديد الهوية فحسب، بل تمتد إلى مجالات عديدة منها مكافحة الاحتيال الإلكتروني، وضمان أن التفاعلات على منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات المواعدة تتم بين أشخاص حقيقيين، وليس روبوتات ذكية تُحاكي السلوك البشري. كما يمكن لهذه التقنية أن تلعب دورًا مهمًا في قطاع التذاكر الرقمية، بحيث تمنع بيع التذاكر للروبوتات التي تشتريها بكميات ضخمة وتعيد بيعها بسعر أعلى.
سام ألتمان، في كلمته خلال حفل الإطلاق في الولايات المتحدة، شدد على أن التكنولوجيا يمكن أن تكون الأداة التي تضمن استمرار تفوّق البشر في عالم رقمي مشبّع بالمحتوى المصنوع بالذكاء الاصطناعي. وهو يرى أن هذا النوع من التحقق البيومتري ضروري للحفاظ على مصداقية الإنترنت وضمان تفاعل حقيقي وإنساني في الفضاء الرقمي.
رغم أن المشروع ما زال في مراحله الأولى، إلا أنه يُعد محاولة جريئة لإعادة صياغة العلاقة بين الهوية الرقمية والتكنولوجيا. وفي عصر يزداد فيه الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، قد يصبح امتلاك هوية بيومترية رقمية هو المفتاح الوحيد لإثبات أنك “إنسان” في عالم افتراضي.
ومع أن الطريق لا يخلو من التحديات القانونية والأخلاقية، إلا أن مشروع Worldcoin قد يمهّد الطريق أمام موجة جديدة من الابتكارات التقنية التي توازن بين التقدم والخصوصية، وتعيد تعريف كيفية تفاعلنا مع الإنترنت في المستقبل.