آخر الأخبار
تقرير جديد يُسلّط الضوء على تكلفة تطوير نماذج DeepSeek

في عالم الذكاء الاصطناعي، حيث تتصارع الشركات الكبرى لبسط سيطرتها على السوق وتطوير تقنيات جديدة، ظهرت DeepSeek الصينية كقصة نجاح مثيرة. لم تكن هذه الشركة مجرد لاعب صغير في السوق، بل تمكّنت من تحقيق إنجاز غير تقليدي: تطوير نموذج دردشة آلي متقدم بتكلفة أقل بكثير من منافسيها الغربيين، مما جعلها محط أنظار الجميع. وبينما بدأت الأنظار تتوجه إليها، بدأ السؤال الأبرز يطفو على السطح: كيف تمكنت DeepSeek من تحقيق هذا النجاح الكبير؟ وما هي استراتيجيتها التي قد تكون غيّرت قواعد اللعبة؟
اللحظة الحاسمة:
في عام 2021، وقبل أن تعلن الولايات المتحدة عن فرض حظرها على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي إلى الصين في عام 2022، كانت هناك لحظة فارقة في تاريخ DeepSeek. في ذلك الوقت، تمكنت High-Flyer، الشركة الأم لـ DeepSeek، من شراء 10,000 وحدة معالجة رسومات (GPU) من شركة إنفيديا الأميركية من طراز A100، وهو ما شكل الأساس لتطور قدراتها في الذكاء الاصطناعي. هذا التوقيت المثالي سمح لها بتسخير هذه المعدات المتطورة في بناء حاسوب فائق للذكاء الاصطناعي، الذي أصبح فيما بعد أداة حيوية لتدريب نماذجها. بينما كانت معظم الشركات الأخرى في الصين تواجه صعوبة في الحصول على هذه التكنولوجيا بسبب القيود الأميركية، كانت DeepSeek قد حسمت الأمور لصالحها قبل أن تُغلق الأبواب.
تحدي التكلفة: رهان منخفض ونتيجة كبيرة
في عام 2023، أحدثت DeepSeek ضجة حقيقية في مجتمع الذكاء الاصطناعي عندما أعلنت أن تكلفة تدريب أحد نماذجها الحديثة لم تتجاوز 5.6 مليون دولار، باستخدام حوالي 2,000 وحدة من رقاقات H800 من إنفيديا، التي لا تعتبر من أرقى النماذج المتاحة. كان الرقم مفاجئًا للجميع، خاصة وأن الشركات الأميركية الكبرى مثل OpenAI و Google كانت قد أنفقت مئات الملايين لتطوير نماذج مشابهة. في حين أعلن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لـ OpenAI، أن تدريب نموذج GPT-4 كلف أكثر من 100 مليون دولار، كانت DeepSeek تسير في اتجاه مختلف تمامًا، مما جعل الكثير من الخبراء والمستثمرين يشككون في الأرقام التي قدمتها الشركة الصينية.
لكن الأمر كان أكبر من مجرد أرقام. فمقارنة بين التكلفة والأداء كشفت أن DeepSeek قد تمكنت من بناء نموذج فعال بتكلفة منخفضة، مما جذب انتباه الجميع إلى استراتيجياتها غير التقليدية.
التمويل الغامض: من أين تأتي الأموال؟
وبينما كانت DeepSeek تحت الضوء، كان السؤال الأكثر إثارة يكمن في الموارد. على الرغم من أن الشركة لم تكشف عن مصادر تمويلها، بدأت التقارير تتسرب عن High-Flyer، الشركة الأم لـ DeepSeek، التي قد تكون استثمرت مبالغ ضخمة لبناء منظومة حوسبة متقدمة. المحللون في شركة SemiAnalysis، التي تتابع تطورات التكنولوجيا، قدّروا أن تكلفة شراء رقائق GPU وحدها قد وصلت إلى أكثر من 500 مليون دولار، مع إجمالي نفقات قد يتجاوز 1.3 مليار دولار. وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول كيفية تمويل مثل هذه المشاريع الضخمة، خاصة في بيئة اقتصادية مليئة بالتحديات.
شبكة العلاقات: السر الكبير وراء النجاح؟
لكن، ربما كان هناك عامل خفي وراء نجاح DeepSeek لم يتحدث عنه الكثيرون: شبكة العلاقات الواسعة التي تمكنت من بنائها في الصين مع الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي. هذه العلاقات ساعدتها في الحصول على أفكار جديدة، مواهب مبتكرة، وتقنيات متقدمة من داخل السوق الصيني. كانت DeepSeek قد استفادت بشكل كبير من هذه الشبكة، مما منحها ميزة تنافسية في السوق المحلي والعالمي على حد سواء.
القلق الأميركي: هل انتهت الهيمنة؟
ومع بروز DeepSeek على الساحة، بدأ القلق يعصف في الشركات الأميركية الكبرى. OpenAI و Google وغيرهما من الشركات العملاقة في الولايات المتحدة كانوا في سباق محموم للهيمنة على سوق الذكاء الاصطناعي، لكن DeepSeek جاءت لتقدم حلولًا مبتكرة بأسعار منخفضة، مما دفعها بسرعة لتصبح منافسًا رئيسيًا. دونالد ترامب، الرئيس الأميركي السابق، دعا الشركات الأميركية إلى “تركيز جهودها بالكامل على المنافسة” في ظل هذا التهديد الجديد.
لقد أصبح واضحًا أن الولايات المتحدة تواجه الآن منافسة حقيقية من الصين في هذا المجال الذي كان يهيمن عليه الأميركيون لسنوات طويلة. ولكن، بينما كانت DeepSeek تحرز تقدمًا ملحوظًا، كانت الأسئلة حول القيود الأميركية على تصدير رقائق إنفيديا إلى الصين لا تزال ترافق هذه القصة.
القيود الأميركية: كيف نجحت DeepSeek في تجاوزها؟
رغم أن الولايات المتحدة كانت قد فرضت حظرًا صارمًا على تصدير رقائق إنفيديا المتطورة إلى الصين، إلا أن العديد من المحللين كانوا يشككون في ما إذا كانت DeepSeek قد تمكنت بالفعل من تجاوز هذه القيود. ربما اعتمدت على حلول بديلة أو شراكات خلف الكواليس لتأمين المعدات اللازمة. ورغم أن التفاصيل حول هذا الموضوع ما زالت غامضة، فإن DeepSeek تواصل التقدم بخطوات ثابتة نحو تحقيق أهدافها.
سباق جديد في عالم الذكاء الاصطناعي
يعد صعود DeepSeek في عالم الذكاء الاصطناعي بمثابة انفجار مفاجئ في سباق طويل الأمد بين القوى الكبرى. من خلال التكلفة المنخفضة والأداء الفعال، تمكنت الشركة من تغيير موازين القوى. ولكن مع استمرار المنافسة الشرسة بين الولايات المتحدة و الصين، من المتوقع أن تتغير قواعد اللعبة في المستقبل القريب.
ومع استمرار تطور DeepSeek وجعلها التقنيات في متناول الجميع، يبقى السؤال الأبرز: كيف سيتعامل العالم مع هذا التحدي الجديد؟ وهل ستنجح DeepSeek في فرض نفسها كأحد أبرز لاعبي الذكاء الاصطناعي في المستقبل؟