شركة آبل تتوقع دفع 900 مليون دولار كرسوم جمركية في الربع الثاني من 2025

في خطوة تعكس الحذر الاستراتيجي والشفافية في التعامل مع التحديات الجيوسياسية، صرح الرئيس التنفيذي لشركة آبل، تيم كوك، أن الشركة تتوقع دفع نحو 900 مليون دولار أمريكي كرسوم جمركية على منتجاتها المستوردة في السوق الأمريكية خلال الربع الثاني من عام 2025، والذي يمتد من بداية شهر أبريل وحتى نهاية شهر يونيو.

هذا التقدير، الذي تم الإعلان عنه خلال مؤتمر إعلان النتائج المالية للربع المنتهي في مارس، يستند إلى افتراضات أولية مبنية على ثبات السياسات الجمركية الحالية وعدم فرض أي رسوم جديدة من قبل الإدارة الأمريكية. ويُعد هذا الرقم لافتًا، حيث يُظهر استعداد الشركة لمواجهة تكاليف إضافية ناجمة عن التوترات التجارية الدولية دون أن ينعكس ذلك بشكل مباشر على استقرارها المالي أو أداء أسهمها.

في حديثه للمستثمرين، أوضح كوك أن تأثير الرسوم الجمركية التي كانت قد فُرضت خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب على أعمال الشركة في الربع الأول من العام كان “محدودًا نسبيًا”، ويعود ذلك إلى أن معظم تلك الرسوم لم تكن قد دخلت حيز التنفيذ الكامل بعد. ورغم عدم الوضوح حول ما إذا كانت إدارة الرئيس الأمريكي ستقوم بخطوات تصعيدية جديدة على صعيد الضرائب الجمركية، إلا أن آبل اعتمدت على سياسة استباقية لتقليل المخاطر المحتملة.

وأشار كوك إلى أن الشركة قامت خلال الفترة الماضية بـ تحسين سلاسل التوريد العالمية وتحديث آليات إدارة المخزون، بهدف الاستعداد لتلك المتغيرات وتقليل الاعتماد على مصادر إنتاج واحدة، وهو ما يمثل توجّهًا استراتيجيًا طويل الأمد للشركة.

وفي خطوة استراتيجية بارزة، كشفت آبل أنها تقوم الآن بتصنيع نصف أجهزة iPhone المخصصة للسوق الأمريكية في الهند، وذلك بدلًا من الصين، التي كانت تمثل سابقًا مركز الإنتاج الرئيسي للشركة. ويهدف هذا التحوّل إلى تقليص كلفة الرسوم الجمركية وتحقيق قدر أعلى من المرونة في التصنيع والتوزيع. كما أعلنت آبل عن خطط طموحة لتوسيع نطاق التجميع والتصنيع في فيتنام ليشمل معظم منتجاتها الأخرى الموجهة إلى السوق الأمريكية.

على الرغم من التحديات الجمركية والمخاوف المتعلقة بسلاسل التوريد، فقد أعلنت آبل عن نتائج مالية قوية للربع الأول من عام 2025، حيث حققت الشركة إيرادات بلغت 95.4 مليار دولار أمريكي، مسجلة بذلك نموًا سنويًا بنسبة 5% مقارنة بالربع نفسه من العام الماضي.

ويعكس هذا الأداء القوي استمرار الطلب على منتجات آبل، خاصة في ظل الابتكارات الأخيرة التي طرحتها الشركة في مجالات الهواتف الذكية، والخدمات الرقمية، وتقنيات الذكاء الاصطناعي. كما يعزز ثقة المستثمرين في قدرة آبل على تحقيق التوازن بين النمو المستدام والاستقرار المالي، حتى في ظل بيئة اقتصادية وتجارية مليئة بالتحديات.

 موقف حذر من التنبؤات المستقبلية

رغم الإيجابية الحذرة التي حملها تصريح كوك، فقد حرص على عدم إصدار توقعات دقيقة بشأن تأثير الرسوم الجمركية المحتملة في المستقبل، قائلاً:

“لا يمكننا التنبؤ بما سيحدث لاحقًا، ولا أعتقد أنه من المناسب الدخول في توقعات بشأن مستقبل الرسوم الجمركية.”

ويعكس هذا التصريح استراتيجية اتصالية محسوبة، تُبقي على ثقة المستثمرين دون التورط في تنبؤات قد تتغير بتغير الأوضاع السياسية أو التجارية، خاصةً في ظل البيئة المتقلبة التي تشهدها السياسات التجارية الأمريكية في السنوات الأخيرة.

على الرغم من الرقم الكبير الذي تم الإعلان عنه كتكلفة محتملة للرسوم الجمركية، فإن الأسواق المالية لم تُظهر قلقًا ملحوظًا، بل على العكس، لاقى هذا التصريح ارتياحًا بين المستثمرين والمحللين الماليين. ويُعزى هذا الارتياح إلى كون مبلغ 900 مليون دولار يُعد ضئيلًا جدًا بالمقارنة مع القيمة السوقية الهائلة لشركة آبل، والتي تفوق 3 تريليونات دولار أمريكي، مما يعكس قدرة الشركة على امتصاص مثل هذه التكاليف دون أن تتأثر ميزانيتها العامة أو خططها المستقبلية.

تحمل تصريحات كوك وخطوات آبل الأخيرة دلالات أعمق على مستوى الاقتصاد العالمي، إذ تُشير إلى تحوّل تدريجي في خريطة التصنيع العالمي، مع تراجع الاعتماد على الصين كمركز وحيد للإنتاج، والاتجاه نحو تنويع مواقع التصنيع لتشمل الهند وفيتنام ودولًا أخرى في جنوب شرق آسيا.

ومن المتوقع أن تلهم هذه الخطوة شركات تكنولوجيا أخرى باتباع النهج ذاته لتقليل المخاطر المتعلقة بالعلاقات التجارية الأمريكية-الصينية، وتحقيق قدر أعلى من الاستقرار في ظل التغيرات الجيوسياسية المتسارعة.