آخر الأخبار
الذكاء الاصطناعي.. لغة عالمية جديدة تُعيد تشكيل العلاقة بين الإنسان والتقنية

جينسن هوانغ: البرمجة بلغة البشر ليست مستقبلًا محتملًا، بل واقعًا نعيشه الآن
في زمن تتسارع فيه وتيرة الابتكارات التكنولوجية، تبرز تقنيات الذكاء الاصطناعي بوصفها القوة الدافعة وراء التحول الرقمي الأكبر في التاريخ الحديث. هذا ما أكده جينسن هوانغ، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “إنفيديا”، خلال مشاركته في فعالية “أسبوع لندن للتكنولوجيا”، حيث استعرض كيف انتقلت الحوسبة من كونها علمًا معقدًا يقتصر على المبرمجين إلى أن أصبحت اليوم أداة متاحة للجميع بفضل الذكاء الاصطناعي.
من لغات البرمجة إلى لغة البشر
قال هوانغ: “على مدار العقود الماضية، كانت الحوسبة مجالًا نخبويًا، يتطلب مهارات تقنية متقدمة ومعرفة بلغات برمجة معقدة مثل C++ وبايثون. تعلم البرمجة كان أشبه بتعلم لغة أجنبية معقدة لا يتحدث بها سوى قلة. لكن اليوم، ومع ظهور الذكاء الاصطناعي، نحن أمام لحظة تحول تاريخية”.
وأوضح أن هذه اللحظة جاءت مع ابتكار ما وصفه بـ”لغة برمجة جديدة”، ليست لغة كود، بل لغة البشر أنفسهم. وأضاف: “فجأة، أصبحت البرمجة ممكنة باستخدام اللغة اليومية التي نتحدث بها. نطلب من الذكاء الاصطناعي تنفيذ مهام، فيستجيب كما لو كنا نتحدث إلى إنسان آخر. وهذه القدرة تمثل معادلة مثالية؛ إذ لم تعد المعرفة التقنية شرطًا لدخول عالم البرمجة أو الإبداع الرقمي.”
الذكاء الاصطناعي التحادثي… نقطة الانطلاق
هذا التحول غير المسبوق بدأ في عام 2022، حين ظهر نموذج “ChatGPT” من شركة “OpenAI” ليتحول إلى ظاهرة عالمية. ومنذ ذلك الحين، تسارعت وتيرة استخدام النماذج التحادثية، من Google Gemini إلى Microsoft Copilot، حيث بات المستخدمون يوجهون الأوامر لهذه الأنظمة باستخدام لغة بشرية طبيعية، ويتلقون استجابات دقيقة بأسلوب حواري إنساني.
وفي فبراير الماضي، أعلنت “OpenAI” أن عدد المستخدمين النشطين أسبوعيًا تجاوز 400 مليون مستخدم، مما يعكس مدى توسع قاعدة الاعتماد على هذه التكنولوجيا، ليس فقط لأغراض الترفيه، بل في مجالات العمل والتعليم والإنتاج.
الحوسبة التفاعلية… برمجة بطلب شفهي
هوانغ ذهب أبعد من مجرد الإشادة بالتقدم التقني، ليؤكد أن هذه اللغة الجديدة للبرمجة تُتيح لأي شخص أن يصبح “مُبرمجًا دون كود”، قائلًا:
“ما عليك سوى أن تطلب من الحاسوب ما تريده، بلطف ووضوح. سواء أردت كتابة قصيدة، أو توليد صورة، أو تصميم برنامج، يمكنك الآن القيام بذلك بدون تعلم أي لغة برمجة تقليدية. الذكاء الاصطناعي سيتولى الباقي.”
وأشار إلى أن الطريقة التي نُوجّه بها الذكاء الاصطناعي تشبه في جوهرها الطريقة التي نتواصل بها مع البشر، مما يجعل هذه التقنية أكثر سهولة وقربًا من المستخدم العادي. ولفت إلى أن الأطفال يتفاعلون مع هذه الأنظمة بسهولة غريزية، وهو ما يبشر بظهور جيل رقمي لا يحتاج إلى تعلم الحوسبة بالطرق التقليدية.
فرص جديدة في بيئات العمل والتعليم
تزامنًا مع هذا التحول، بدأت العديد من الشركات حول العالم – منها Shopify، Duolingo، وFiverr – بإدماج أدوات الذكاء الاصطناعي في بيئات العمل، ليس كبديل للموظفين، بل كأداة تعزز إنتاجيتهم. وأكد هوانغ أن الذكاء الاصطناعي لا يُلغي الوظائف، بل يُعيد تعريفها، ويوسع من إمكانات الأفراد ويمنحهم أدوات لم يكن الوصول إليها ممكنًا سابقًا.
وقد أعلنت “OpenAI” مؤخرًا عن وصول عدد المشتركين التجاريين المدفوعين إلى أكثر من 3 ملايين مستخدم، مما يؤكد أن المؤسسات باتت ترى في الذكاء الاصطناعي فرصة للنمو، لا تهديدًا.
تشجيع على التبني الواسع للتكنولوجيا
في ختام حديثه، وجه هوانغ رسالة واضحة ومباشرة إلى الجميع:
“أود أن أشجع الجميع على استخدام هذه التقنية، فطريقة التفاعل مع الحاسوب اليوم أصبحت بسيطة ومباشرة بشكل لم يكن ممكنًا قبل سنوات. نحن نشهد تحولًا يشبه ما حدث عند اختراع الإنترنت أو الهواتف الذكية. هذا النوع من التفاعل سيكون المهارة الأساسية في المستقبل القريب.”
من النخبوية إلى الشمولية
ما يلفت الانتباه في خطاب هوانغ ليس فقط حديثه عن الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة تقنية، بل تأكيده على بعدها الإنساني. فبدلًا من إقصاء الأفراد الذين لا يمتلكون خلفية برمجية، باتت هذه التكنولوجيا تدعو الجميع للمشاركة والابتكار.
من خلال لغة يفهمها الجميع، يُمكن اليوم لأي شخص أن يكون جزءًا من الثورة الرقمية.
فالذكاء الاصطناعي لم يعد وسيلة نخبوية بل أصبح أداة ديمقراطية تُعيد صياغة علاقة الإنسان بالتقنية، وتفتح الباب أمام جيل جديد من المبدعين والمفكرين.