آخر الأخبار
الذكاء الاصطناعي وتوحيد أساليب الكتابة: دراسة تكشف آثارًا ثقافية مقلقة

في عالمنا المعاصر، أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من عملية الكتابة والإنتاج المعرفي، حيث يعتمد الملايين على تقنيات مثل ChatGPT ومساعدي الكتابة الذكية لتوفير الوقت وزيادة الكفاءة. لكن مع هذا الانتشار الواسع، بدأت تطفو على السطح تساؤلات جوهرية حول الأثر الثقافي العميق الذي قد تتركه هذه الأدوات على التنوع اللغوي والأسلوبي في المجتمعات المختلفة.
دراسة حديثة أعدها باحثون من جامعة كورنيل الأمريكية سلّطت الضوء على هذه القضية الحساسة، حيث أظهرت أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي قد يؤدي، دون قصد، إلى توحيد أساليب الكتابة عالميًا، وجعلها أقرب إلى النمط الأمريكي، مما قد ينتج عنه تآكل التعبيرات والأساليب الثقافية المحلية، لاسيما في البلدان غير الغربية.
خلفية الدراسة: السياق والتساؤلات
انطلقت الدراسة من فرضية مفادها أن أدوات الذكاء الاصطناعي، التي تُطوّر في سياقات ثقافية غربية (خصوصًا أمريكية)، قد تعكس بشكل غير مباشر القيم والتوجهات الأسلوبية للبيئة التي صُممت فيها، حتى وإن كانت تُستخدم عالميًا. واستهدفت الدراسة 118 مشاركًا موزعين بالتساوي بين الهند والولايات المتحدة، وكُلّفوا بمهام كتابية متنوعة، بعضها باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، وبعضها الآخر دون مساعدة.
النتائج: تقارب غير مرغوب في الأسلوب
تبيّن من خلال تحليل النصوص الناتجة أن المشاركين من كلا البلدين بدؤوا يُظهرون تشابهًا كبيرًا في أساليب الكتابة عند استخدامهم لمساعدات الذكاء الاصطناعي. غير أن هذا التشابه جاء على حساب الخصوصية الثقافية للأسلوب الهندي، ما يشير إلى ميل هذه الأدوات إلى تعزيز النمط الأمريكي في التعبير.
رغم أن الذكاء الاصطناعي ساعد المشاركين على تسريع عملية الكتابة، فإن فاعليته كانت متفاوتة. فقد اضطر المشاركون الهنود إلى تعديل عدد كبير من الاقتراحات التي قدمتها الأدوات، لأنها لم تكن ملائمة ثقافيًا أو لغويًا، الأمر الذي حد من الفائدة الإنتاجية المتوقعة.
أمثلة واقعية تكشف الانحياز
عند كتابة موضوعات ذات طابع شخصي مثل “الطعام المفضل” أو “الاحتفال المفضل”، قدمت أدوات الذكاء الاصطناعي اقتراحات مثل “البيتزا” أو “عيد الميلاد”، في تجاهل واضح للرموز الثقافية الهندية مثل أطباق الـ biryani أو مهرجان Diwali. والأمر لم يقف عند هذا الحد، فعند كتابة اسم “Shah Rukh Khan”، وهو أحد أشهر الممثلين في الهند، واقتصر المستخدم على حرف “S”، كانت الاقتراحات التي قدمها الذكاء الاصطناعي تميل إلى أسماء أمريكية مثل “Shaquille O’Neil” أو “Scarlett Johansson”.
هذا السلوك يعكس ما وصفه الباحثون بـ “الاستعمار الرقمي”، حيث تُفرض المرجعيات الغربية في السياقات الثقافية الأخرى، وتُهمّش رموز وتعبيرات الشعوب المختلفة.
القبول والتعديل: دلالات عميقة
أظهرت الدراسة أن المستخدمين الهنود احتفظوا بنسبة 25% من اقتراحات الذكاء الاصطناعي، في حين قبل الأمريكيون 19% فقط. رغم أن هذه النسبة تبدو لصالح المستخدمين الهنود، فإن الواقع يشير إلى أنهم اضطروا لتعديل معظم ما قبلوه، ما يعني أن الاقتراحات لم تكن متماشية مع ثقافتهم، بل كانت بحاجة دائمة إلى تكييف وإعادة صياغة.
يقول الدكتور “أديتيا فاشيستا”، المؤلف الرئيسي للدراسة:
“هذه الدراسة من أوائل الأدلة التي تُظهر كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يخلق نمطًا موحدًا للكتابة، يُقصي التعدد الثقافي ويهدد التنوع اللغوي الذي يثري تواصل البشر.”
وأضاف:
“المستخدمون يبدؤون في الكتابة بطريقة موحدة عند استخدام هذه الأدوات، وهذا ليس أمرًا إيجابيًا، فالتنوع هو ما يمنح التواصل البشري عمقه وجماله.”
دعوة للمطورين: أولوية للحساسية الثقافية
ختامًا، يدعو الباحثون مطوري أدوات الذكاء الاصطناعي إلى التركيز ليس فقط على الجوانب اللغوية، بل أيضًا على الأبعاد الثقافية. فمن دون مراعاة السياقات الثقافية المتنوعة، قد تتحول هذه الأدوات إلى وسيلة لفرض الهيمنة الأسلوبية، وتُقلّص الفروقات التي تمنح المجتمعات هويتها الفريدة.
يقول الباحث “دروف أغروال”:
“عندما يبدأ المستخدمون الهنود في وصف أعيادهم وأطعمتهم من منظور غربي، فهذا مؤشر خطير على فقدان التعبير الأصيل لصالح نماذج مصممة خارج ثقافتهم. ولضمان نجاح الذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي، ينبغي أن يتكيف مع اختلافات المستخدمين بدلًا من أن يُخضعهم لنمط واحد.”