آخر الأخبار
كل ما تود معرفته عن مجمع الذكاء الاصطناعي الإماراتي الأمريكي الجديد: القدرات والأهمية

تشهد دولة الإمارات العربية المتحدة تحوّلاً استراتيجيًا غير مسبوق في مسارها التنموي، مع إعلانها عن إطلاق المرحلة الأولى من مشروع ضخم يتمثل في “مجمع الذكاء الاصطناعي الإماراتي الأمريكي” في العاصمة أبوظبي، والذي يعدّ الأضخم من نوعه خارج الولايات المتحدة الأمريكية. يأتي هذا المشروع كثمرة شراكة استراتيجية عميقة بين الإمارات والولايات المتحدة، ويجسد الرؤية الطموحة التي تتبناها القيادة الإماراتية لجعل الدولة مركزًا عالميًا رائدًا في الذكاء الاصطناعي والتقنيات المستقبلية.
يتميّز المجمع بقدرة تشغيلية استثنائية تبلغ 5 جيجاواط، ما يجعله محطة حاسوبية متقدمة قادرة على تقديم خدمات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية على نطاق إقليمي وعالمي، ويعكس في الوقت ذاته التزام الإمارات بالاستدامة والابتكار والتحول الرقمي.
يمتد مجمع الذكاء الاصطناعي على مساحة تُقدّر بـ25 كيلومترًا مربعًا في إمارة أبوظبي، وتقوم على بنائه وتشغيله شركة G42 الإماراتية الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع عدد من كبرى الشركات الأمريكية، في إطار اتفاقية تعاون أُطلق عليها اسم “شراكة تسريع الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة والإمارات“.
يهدف هذا المجمع الطموح إلى تعزيز قدرة الشركات العالمية، ولا سيما الأمريكية منها، على تقديم خدمات الحوسبة والذكاء الاصطناعي على مستوى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، بل وحتى مناطق واسعة من العالم تُعرف مجتمعة باسم “الجنوب العالمي”. وتُقدَّر السعة التشغيلية للمجمع بأنها تكفي لتشغيل 2.5 مليون رقاقة إنفيديا B200 — وهي من أحدث وأقوى معالجات الذكاء الاصطناعي في العالم.
وقد وصف لينارت هايم، المحلل في مؤسسة راند، المجمع بأنه يتجاوز من حيث القدرة والطموح جميع إعلانات البنية التحتية التي تم الكشف عنها في مجال الذكاء الاصطناعي حتى الآن.
وصول غير مسبوق إلى الرقائق المتقدمة
ورغم أن التفاصيل التقنية حول الشركات المصنعة للرقاقات المستخدمة في المجمع لم تُعلَن رسميًا بعد، إلا أن ظهور جنسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، في حفل تدشين المشروع، الذي حضره صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في قصر الوطن، يعطي مؤشرات قوية على عمق التعاون التقني القائم.
وبحسب تقارير إعلامية موثوقة، فإن الاتفاق بين الجانبين سيسمح للإمارات باستيراد نحو 500 ألف وحدة سنويًا من أحدث رقاقات الذكاء الاصطناعي من إنتاج إنفيديا، بدءًا من عام 2025، ما سيمنح الدولة ميزة تنافسية فريدة في المجال.
من أبرز ما يميز مجمع الذكاء الاصطناعي في أبوظبي هو التركيز على الاستدامة البيئية، إذ يعتمد المشروع عند اكتماله على مزيج من الطاقة الشمسية، والطاقة النووية، وطاقة الغاز لتشغيل مراكز البيانات، وهو ما يعكس التزام الإمارات بخفض الانبعاثات الكربونية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وتجدر الإشارة إلى أن القدرة التشغيلية البالغة 5 جيجاواط تعادل استهلاك الطاقة لنصف مدينة بحجم دبي، أو ما يعادل تشغيل خمسة مفاعلات نووية، مما يبرز حجم المشروع ومدى تأثيره في المستقبل القريب.
إلى جانب كونه مركزًا للحوسبة، سيضم المجمع مركزًا بحثيًا عالمي المستوى للبحث والتطوير، من شأنه أن يدفع عجلة الابتكار في تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة. وسيُستخدم هذا المركز كمختبر للأفكار الجديدة ومسرّع لحلول الذكاء الاصطناعي في المجالات الحيوية مثل: الرعاية الصحية، والطاقة، والنقل، والتعليم، والخدمات الحكومية.
الآثار الإستراتيجية والاقتصادية للمشروع داخل الإمارات
١. دعم رؤية الإمارات 2071
يمثل المشروع خطوة محورية في تحقيق رؤية الإمارات 2071، والتي تسعى إلى جعل الدولة واحدة من أفضل دول العالم في جميع المجالات، من خلال الاستثمار في القطاعات المستقبلية القائمة على التكنولوجيا والابتكار.
٢. تحوّل اقتصادي نحو اقتصاد المعرفة
سيسهم المشروع في تسريع التحول الاقتصادي من الاعتماد على النفط إلى بناء اقتصاد قائم على الابتكار والمعرفة والتقنيات المتقدمة، مع خلق آلاف الوظائف الجديدة في مجالات ذات قيمة مضافة عالية، وزيادة جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
٣. سيادة تكنولوجية متقدمة
لعبت الإمارات دورًا رياديًا مبكرًا في قطاع الذكاء الاصطناعي، إذ كانت أول دولة في العالم تعيّن وزيرًا للذكاء الاصطناعي وتطلق استراتيجية وطنية شاملة في هذا المجال. ومع بناء هذا المجمع الضخم، تُعزز الدولة مكانتها كلاعب محوري في إعادة تشكيل مستقبل التكنولوجيا العالمي.
٤. تطوير رأس المال البشري
سيُسهم المجمع في جذب الكفاءات العالمية، وتوفير برامج تدريب وتأهيل وابتعاث تُعزز من المهارات المحلية في مجالات الذكاء الاصطناعي والبرمجة وعلوم البيانات، مما يخلق جيلًا جديدًا من القادة والخبراء.
التأثيرات الإقليمية والعالمية للمجمع
١. تحفيز الابتكار في المنطقة
يمكن أن يلعب المشروع دورًا محفّزًا للدول المجاورة على الاستثمار في البنية التحتية الرقمية وتطوير إستراتيجيات الذكاء الاصطناعي الوطنية الخاصة بها، استلهامًا من النموذج الإماراتي.
٢. منصة إقليمية وعالمية للخدمات
صُمم المجمع ليكون قادرًا على تقديم خدمات لحوالي نصف سكان الكرة الأرضية، مما يمنحه ميزة استراتيجية كمنصة حاسوبية إقليمية تخدم شركات من آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط.
٣. توطيد الشراكات الدولية
يعزز المشروع الشراكة الأمريكية-الإماراتية، ويفتح الأبواب أمام تعاونات عالمية جديدة في مجالات البحث والتطوير، ويشكّل نموذجًا للتكامل الدولي في تطوير تقنيات المستقبل.
٤. أبعاد جيوسياسية وأمنية
يمتد تأثير المشروع ليشمل تعزيز الأمن السيبراني الإقليمي، وتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المراقبة، والدفاع، والخدمات اللوجستية، وهو ما يمكن أن ينعكس إيجابًا على استقرار المنطقة وجذب مزيد من الاستثمارات ذات الطبيعة الإستراتيجية.
إن مجمع الذكاء الاصطناعي الجديد في أبوظبي لا يمثل مجرد إنجاز تقني، بل يعكس الرؤية الطموحة والقدرة التنفيذية التي تمتلكها دولة الإمارات في رسم ملامح المستقبل. فمن خلال الجمع بين التكنولوجيا المتقدمة، والاستدامة، والابتكار، والشراكات الدولية، تضع الإمارات نفسها في موقع الريادة العالمية في قطاع الذكاء الاصطناعي. وهو إنجاز يؤكد أن الدولة لا تستعد للمستقبل فقط، بل تصنعه وتشكله بيديها.