آخر الأخبار
وداعًا للأسرار: خاتم ذكي يقيس الولاء ويكشف الخيانة

في مشهد يبدو مأخوذًا من صفحات رواية خيال علمي، يظهر جهاز صغير لكنه بالغ الطموح: خاتم ذكي ترتديه في يدك صباحًا، يضيء بلون وردي هادئ عندما يتغير شيء في المشاعر الداخلية لشريك حياتك. قد يكون هذا التغيير سببه التوتر، أو الإثارة، أو حالة انفعالية غير مألوفة. لكن الأهم من ذلك، أنك – وبلمسة على هاتفك – تستطيع أن تفتح تطبيقًا مرافقًا يقدّم لك تحليلًا شبه فوري لما يشعر به الشريك في تلك اللحظة.
هذا الابتكار المثير للجدل يحمل اسم خاتم RAW، وهو منتج مستقبلي تعمل عليه شركة ناشئة تحمل الاسم ذاته. هذه الشركة لا تكتفي بصناعة الخاتم فحسب، بل تقف أيضًا خلف تطبيق مراسلة يعتمد على الذكاء الاصطناعي. رؤيتها طموحة، وتكمن في خلق حلقة جديدة من التواصل العاطفي بين الأزواج عبر التكنولوجيا، باستخدام أجهزة استشعار بيومترية وتحليلات ذكية قادرة على قراءة المشاعر وتفسير إشارات الجسد والصوت والحركة.
تعتمد فكرة خاتم RAW على دمج مجموعة من التقنيات الموجودة بالفعل في منتجات أخرى، مثل خواتم تتبع النوم والنشاط البدني، وأجهزة تحليل نبرة الصوت. لكن الجديد هنا هو جمع هذه العناصر في جهاز واحد صغير الحجم يرتدى في الإصبع.
مكونات الخاتم تشمل:
- مستشعر نبضات القلب HRV: يقيس معدل ضربات القلب وتقلباته المرتبطة بالحالة النفسية.
- مستشعر حرارة الجلد: يتابع التغيرات الحرارية الدقيقة التي قد تعكس توترًا أو قلقًا.
- ميكروفون مدمج: لتحليل نبرة الصوت ومدى استقرارها.
- مقياس تسارع وجيروسكوب: يرصد حركة اليد ويحلل الأنماط السلوكية المصاحبة للحالة العاطفية.
يعتمد الخاتم على نظام ذكاء اصطناعي مزدوج:
- تحليل فوري محلي (On-device AI): يعمل داخليًا على الجهاز نفسه لتحليل البيانات الحيوية في الوقت الحقيقي.
- تحليل طويل الأمد عبر السحابة (Cloud AI): يستخدم تقنيات تعلم الآلة لرصد الأنماط وتقديم توصيات وتفسيرات أكثر دقة بناءً على تاريخ البيانات.
وبحسب الشركة، فإن الخاتم قادر على التفريق بين النشاط البدني والتوتر العاطفي، من خلال الجمع بين معطيات نبضات القلب وحرارة الجلد ونبرة الصوت. هذا يعني أن الجهاز لا يكتفي بإعطاء تنبيه “بوجود تغيّر”، بل يحاول تفسيره ضمن السياق العاطفي للشخص.
رغم أن التقنية تبدو مبشّرة على المستوى الوظيفي، فإنها تفتح بابًا واسعًا للتساؤل: هل نحن بحاجة فعلًا لمثل هذه الوسائل في علاقاتنا؟ وهل يصبح مفهوم “الخصوصية العاطفية” في خطر؟
يرى بعض المنتقدين أن خاتم RAW قد يؤدي إلى ممارسات مراقبة عاطفية غير صحية، خاصة إذا تم استخدامه من قبل طرف يرغب في التحكم بالآخر. من السهل تخيّل سيناريوهات يتتبّع فيها أحد الشريكين تغيرات مزاج الآخر بشكل دائم، ويبدأ في طرح الأسئلة أو إطلاق الاتهامات بناءً على قراءات قد تكون غير دقيقة أو خارج السياق.
وهنا تبرز مقارنة واضحة مع تجربة أجهزة Apple AirTags، التي صمّمت أساسًا لتعقب المقتنيات الشخصية. ورغم نوايا Apple الحسنة، ظهرت حالات كثيرة استُخدمت فيها هذه التقنية لأغراض ضارة، مثل تعقب الأشخاص دون علمهم، أو مراقبة الشريك السابق. هذا يؤكد أن نية الابتكار لا تكفي وحدها، بل يجب أن يُصاحبها وعيٌ بالسيناريوهات السلبية المحتملة.
موقف الشركة: الثقة أولًا
مارينا أندرسون، المؤسسة والرؤية وراء المشروع، تؤكد أن الهدف الأساسي من الخاتم ليس التجسس أو إثبات الخيانة، بل المساعدة على بناء جسر من الثقة بين الشريكين. تقول إن الشخص الذي لا يملك نية الشفافية لن يرتدي الخاتم أصلًا، لأنه لا يريد كشف مشاعره.
تضيف أندرسون أن المستخدم يملك السيطرة الكاملة على ما يشاركه من بيانات، ويمكنه إغلاق التحليلات أو تعديل الإعدادات في أي وقت. كما أن التصميم يتيح لكل طرف أن يكون على دراية بمشاعره الذاتية، حتى لو لم يكن الآخر يستخدم الخاتم.
تُجري الشركة حاليًا تجارب مع مجموعات متنوعة من الأزواج، من بينهم من خاضوا تجارب سابقة مع الطلاق أو العلاقات العاطفية المعقّدة. تهدف هذه التجارب إلى معرفة مدى تقبّل الفكرة في بيئات مختلفة، وتقييم الأثر النفسي والاجتماعي للخاتم.
من المخطط أن يُطلق النموذج الأولي من الخاتم في سبتمبر 2025، على أن يتم الإطلاق التجاري الرسمي في 2026، إذا أثبتت التجارب الأولية نجاحها واستقرارها.
إذا سار المشروع كما هو مرسوم له، فإن خاتم RAW قد يكون مجرد البداية لمرحلة جديدة تدخل فيها التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي إلى قلب العلاقات العاطفية، بشكل أعمق وأعقد مما عهدناه من قبل.
لكن يبقى السؤال قائمًا: هل يمكننا أن نثق في التكنولوجيا بقدر ما نثق في قلوبنا؟
أم أننا نخطو نحو مستقبل يذوب فيه الحميمي في بحر من التحليل الآلي والمراقبة المستترة؟
الإجابة ليست سهلة، لكنها بلا شك تفتح بابًا مهمًا للنقاش حول دور التقنية في تشكيل مشاعرنا، وحدود التدخل المقبول في الحياة العاطفية الخاصة.