جوجل تُدان بانتهاك قوانين الاحتكار في سوق الإعلانات الرقمية: هل يُفكك عملاق التكنولوجيا؟

في تطور قانوني بارز يُعد من أقوى التحديات التي تواجه عملاق التكنولوجيا “جوجل” حتى الآن، أصدرت محكمة فيدرالية أمريكية حكمًا يُدين الشركة بانتهاك قوانين مكافحة الاحتكار في سوق الإعلانات الرقمية، وذلك بعد معركة قانونية استمرت لما يقارب العامين منذ أن رفعت وزارة العدل الأمريكية، بالتعاون مع ثماني ولايات أمريكية، دعوى قضائية ضد الشركة الأم “ألفابت”.

بحسب وثائق المحكمة، فقد ثبت أن جوجل استخدمت أساليب مناهضة للمنافسة بهدف تعزيز سيطرتها على سوق الإعلانات عبر الإنترنت، الأمر الذي دفع القاضية الفيدرالية “ليوني برينكيما” إلى إدانة الشركة بانتهاك قانون “شيرمان” الشهير لمكافحة الاحتكار، وتحديدًا من خلال ربط غير قانوني بين منصتيها الإعلانيتين: DFP (DoubleClick for Publishers) و AdX (Ad Exchange)، ما يُعد ممارسات احتكارية ضارة تخل بتوازن السوق وتُضعف فرص المنافسة العادلة.

وأوضحت المحكمة أن الشركة مارست استغلالًا تعسفيًا لقوتها السوقية، خاصة في جانب الخدمات الإعلانية المقدمة للناشرين، وهو ما أعطى جوجل الأفضلية غير العادلة في المزادات الإعلانية على الإنترنت، حيث كانت قادرة على التلاعب في أسعار الإعلانات وتقليص العائدات التي يحصل عليها الناشرون من خلال الاستحواذ على نسب أكبر من الأرباح.

قرارات مرتقبة قد تغيّر مستقبل سوق الإعلانات:

وفقًا للحكم، سيتم لاحقًا تحديد جدول للمرافعات وجلسات الاستماع التي ستبحث الحلول القانونية لمعالجة هذه الانتهاكات. ومن بين الخيارات التي قد تُطرح أمام المحكمة، إلزام جوجل بتفكيك بعض أجزائها العاملة في قطاع الإعلانات، خصوصًا تلك المرتبطة بخدمة Google Ad Manager، والتي تشمل منصة AdX ونظام DFP، ما قد يُشكل ضربة قوية لبنية جوجل الإعلانية.

وفي الوقت ذاته، قد تتجه المحكمة إلى فرض تدابير تنظيمية بديلة تسمح لجوجل بالحفاظ على بنيتها التجارية، مع تطبيق قيود صارمة تُعزز المنافسة العادلة. ومن بين هذه القيود، منع جوجل من تفضيل منصتها الخاصة في المزادات أو منح أدواتها الإعلانية أي ميزة تفضيلية على حساب الشركات المنافسة.

جوجل ترد وتؤكد نيتها الاستئناف:

وفي أول تعليق رسمي من جانب الشركة، قالت لي آن مولوهولاند، نائبة رئيس الشؤون التنظيمية في جوجل:

“لقد كسبنا نصف القضية، وسنستأنف النصف الآخر. المحكمة أقرت بأن أدواتنا الإعلانية وعمليات الاستحواذ مثل DoubleClick لا تضر بالمنافسة، لكننا نختلف مع قرارها المتعلق بأدواتنا الخاصة بالناشرين. الناشرون لديهم العديد من البدائل، ويختارون جوجل لأن أدواتنا بسيطة وفعالة وميسورة التكلفة.”

لكن وزارة العدل الأمريكية ترى أن هذه الأدوات لم تكن سوى وسيلة لتوسيع الهيمنة وتعزيز الاحتكار، خاصة بعد استحواذ جوجل على DoubleClick عام 2008، ثم AdMeld في 2011، ما منحها السيطرة على جانبي العرض والطلب في سوق الإعلانات، وساعدها على رفع الأسعار وتحصيل نسب أرباح أعلى على حساب الناشرين.

خلفية الدعوى ومسار المحاكمة:

انطلقت القضية في يناير 2023 عندما تقدّمت وزارة العدل الأمريكية بالدعوى القضائية بالتعاون مع ولايات: كاليفورنيا، كولورادو، كونيتيكت، نيوجيرسي، نيويورك، رود آيلاند، تينيسي، وفيرجينيا. وقد بدأت جلسات المحاكمة في سبتمبر 2024، واستمرت ثلاثة أسابيع، قُدّمت خلالها مرافعات مطولة من الطرفين، واختُتمت بتقديم المرافعات الختامية في نوفمبر من العام نفسه.

وكانت محكمة أمريكية أخرى قد توصلت في وقت سابق إلى أن جوجل قامت باحتكار سوق البحث عبر الإنترنت بشكل غير قانوني أيضًا، لكن الحكم النهائي بشأن الإجراءات التصحيحية في تلك القضية لم يصدر بعد، ومن المتوقع أن يُعلن عنه في منتصف عام 2025، وسط توقعات بأن يتضمن تغييرات جوهرية، قد تصل إلى مطالبة جوجل بالتخلي عن متصفح Google Chrome أو نظام التشغيل Android.

نقطة تحوّل حاسمة:

تمثل هذه الإدانة خطوة مفصلية في جهود الحكومة الأمريكية لكبح جماح نفوذ شركات التكنولوجيا الكبرى، وإعادة التوازن إلى الأسواق الرقمية. كما تُسلّط الضوء على التحركات المتزايدة من قِبل الجهات التنظيمية حول العالم للحد من الممارسات الاحتكارية، وتعزيز الشفافية والتنافسية في القطاعات الرقمية.