آخر الأخبار
إنتل تُعلن نهاية دعم Deep Link: فشلٌ صامت في مشروع الدمج الذكي بين CPU وGPU

في خُطوة لم تُعلَن عبر قنواتها الإعلامية المعتادة، أنهت شركة إنتل (Intel) رسميًا دعمها لتقنية Deep Link، وهي مبادرة طموحة أطلقتها في أواخر عام 2020 تهدف إلى تحقيق تكامل برمجي بين معالجاتها المركزية من سلسلة Core وبطاقات الرسوميات المنفصلة من سلسلة Arc. جاء الإعلان بشكل غير مباشر عبر منصة GitHub، حيث أجاب أحد موظفي الشركة على استفسار استمر دون رد لأسابيع، مؤكّدًا أن التقنية لن تحصل على تحديثات جديدة، ولن تكون قيد الصيانة أو التطوير بعد الآن.
هذا القرار يمثل نهاية لطموح إنتل في بناء نظام بيئي موحد بين وحداتها الحاسوبية، وتحديدًا عبر نموذج دمج مخصص يُحسِّن الأداء من خلال التعاون بين المعالج المركزي ووحدة الرسوميات على نفس الجهاز، بما يشبه ما نجحت فيه شركات مثل Apple وAMD في دمج العتاد والبرمجيات.
ما هي تقنية Deep Link؟ ولماذا أُطلقت أصلًا؟
تمثل Deep Link مجموعة من الوظائف البرمجية والأنظمة المساعدة التي صممتها إنتل لتفعيل التنسيق المتقدّم بين المعالج المركزي ووحدة معالجة الرسوميات، بشرط أن تكون جميع المكونات من صنع إنتل. وبمعنى آخر، تهدف التقنية إلى خلق سير عمل ديناميكي ومُحسّن بين عناصر الحوسبة المختلفة داخل النظام، من خلال مراقبة الاستخدام الفعلي للمكونات وتوزيع الموارد بينها بذكاء.
وقدّمت Deep Link عند إطلاقها أربع مزايا رئيسية:
- Dynamic Power Share
وظيفة تتيح للمعالج والبطاقة الرسومية مشاركة الطاقة الديناميكية حسب الحمل المطلوب، مما يُساعد في تحسين الأداء عند الحاجة، أو تقليل استهلاك الطاقة أثناء المهام الخفيفة. - Hyper Encode
قدرة على تسريع عمليات تشفير الفيديو باستخدام أكثر من محرك ترميز متاح، سواء في وحدة المعالجة المركزية أو البطاقة الرسومية. - Stream Assist
واحدة من أبرز الميزات التي تهم صناع المحتوى، حيث تُتيح نقل مهام معالجة البث والفيديو من المعالج المركزي إلى وحدة الرسوميات، مما يخفف من الضغط على النظام. - Hyper Compute
تعتمد على أدوات مثل OpenVINO، لتسريع تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات باستخدام قدرات متكاملة من المعالج ووحدة الرسوميات.
هذه الميزات وضعت Deep Link ضمن نطاق تقنيات “التحسين الذكي”، وكانت الشركة تأمل أن تقدم تجربة أداء تتكيف تلقائيًا مع طبيعة المهمة، سواء كانت بث مباشر، معالجة صور، تصيير ثلاثي الأبعاد، أو حتى ألعاب.
مشكلات مبكرة.. وتأخر في التبني
رغم وضوح الرؤية التقنية في بداية الإعلان، بدأت تظهر المشاكل سريعًا على الأرض:
- اعتمدت Deep Link على توافق صارم بين عتاد إنتل فقط، ما جعلها غير مفيدة لمن يستخدمون بطاقات من شركات أخرى مثل NVIDIA أو AMD.
- التطبيقات الشهيرة مثل OBS Studio وHandbrake، التي كان من المفترض أن تستفيد من Stream Assist وHyper Encode، لم تكن تعمل بشكل سلس دائمًا، بل واجه المستخدمون أعطالًا متكررة وعدم استقرار.
- لم يكن الدعم البرمجي واضحًا أو منتظمًا، ما جعل الكثير من المطورين يترددون في الاستثمار فيها كمنصة موثوقة طويلة الأمد.
- كانت بعض الميزات تتطلب دعمًا خاصًا من مصنّعي الأجهزة، ما أضاف طبقات من التعقيد التقني والتكلفة.
وبينما استمرت إنتل في الترويج للتقنية خلال الجيلين 11 و12 من معالجاتها، بدأت علامات الانسحاب تظهر مع إطلاق معالجات Meteor Lake، التي لم تتضمن دعمًا مدمجًا لتقنية Deep Link، وهو ما أكد ضمنيًا بداية النهاية.
الإعلان عن الإيقاف: هادئ وغير رسمي
جاء الإعلان النهائي بشكل غير تقليدي على الإطلاق. في موضوع نقاش فني على GitHub، نشر أحد المستخدمين سؤالًا مطولًا حول مشكلات ميزة Stream Assist في تطبيق OBS، واستمر بلا إجابة لما يقارب شهرًا، إلى أن رد أحد موظفي إنتل يُدعى Zack-Intel بتصريح حاسم:
“تقنية Deep Link لم تعد تحت الصيانة النشطة، ولن تحصل على أي تحديثات مستقبلية.”
هذا الرد غير الرسمي مثّل الإعلان الحقيقي لانتهاء المشروع. لا بيان صحفي، لا مقال على مدونة إنتل، ولا حتى منشور على حساباتها الرسمية على X أو LinkedIn. وهي خطوة تُظهر إلى أي حد أرادت إنتل أن تُطفئ شعلة Deep Link بهدوء دون ضجة إعلامية، بعد أن أصبح من الواضح أن التقنية لم تُحقق النجاح المتوقع.
ما مصير الأجهزة التي تعتمد على Deep Link؟
رغم انتهاء الدعم، لا تزال التقنية قابلة للاستخدام على الأجهزة المتوافقة التي تعمل بمعالجات Core من الجيل 11 أو 12 أو 13، إلى جانب بطاقات Arc Alchemist. لكن:
- لن تُصدر إنتل أي تحديثات جديدة لتعريفات (Drivers) Deep Link.
- أي خلل جديد أو مشكلة توافق مع إصدارات Windows القادمة أو برامج بث الفيديو لن يحصل على تصحيح رسمي.
- لن يحصل المطورون على وثائق جديدة أو أدوات تطوير لتوسيع دعم Deep Link في تطبيقاتهم.
وهذا يعني أن المجتمع التقني سيضطر إلى التخلي عنها تدريجيًا، وستصبح في حكم التقنيات “المهجورة” (Deprecated).
تأثير القرار على مستقبل استراتيجية إنتل
يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها تحوُّل استراتيجي واضح في طريقة إنتل لمنافسة اللاعبين الكبار في عالم الحوسبة الرسومية والذكاء الاصطناعي. بعد فشل Deep Link، يبدو أن إنتل تعيد تركيز جهودها على تطوير بطاقات الرسوميات الخاصة بها (سلسلة Arc: Alchemist وBattlemage وCelestial)، وربما تلجأ إلى تحسين التعاون مع مطوري البرمجيات مباشرة بدلاً من إنشاء طبقات وسيطة مثل Deep Link.
وقد يشير القرار أيضًا إلى نية إنتل تعزيز نهج النظام الواحد في المستقبل، عبر إنتاج معالجات هجينة تحتوي على وحدات معالجة رسومية مدمجة (iGPU) قوية بما يكفي لتأدية نفس المهام، دون الحاجة إلى بطاقة رسومية منفصلة.
انتهاء دعم Deep Link لا يُعد مجرد إلغاء لتقنية برمجية، بل هو إقرار صريح من إنتل بأن فكرة “التكامل البرمجي الصلب” لم تنجح ضمن ظروف السوق الحالية. قد تكون الفكرة نبيلة، لكن التنفيذ لم يكن عمليًا بالشكل الكافي، خصوصًا مع نقص الدعم البرمجي، وتغير أولويات المستخدمين، وتعدد أنظمة التشغيل، وسرعة تطور التطبيقات.
وبينما تمضي إنتل قدمًا في مشاريع جديدة، ستظل Deep Link مثالًا على محاولة طموحة لم تستطع تجاوز الواقع التجاري والتقني المعقّد.