آخر الأخبار
إنتل تغلق قسم رقاقات السيارات وتقرر الانسحاب

أعلنت شركة إنتل Intel، إحدى أكبر شركات تصنيع المعالجات والرقاقات الإلكترونية في العالم، عن إغلاق قسم رقاقات السيارات وإنهاء عملياته بشكل نهائي. القرار، الذي جاء في مذكرة داخلية كشفت عنها صحيفة The Oregonian، يتضمن أيضًا تسريح معظم موظفي القسم، وإعادة توجيه الموارد نحو مجالات تُعتبر أكثر أهمية في مستقبل الشركة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء.
يأتي هذا القرار بعد سنوات من التوسّع الطموح في قطاع السيارات، الذي لطالما اعتبرته إنتل واحدًا من محركات النمو المستقبلية، خصوصًا مع تحول السيارات إلى منصات ذكية مليئة بالإلكترونيات، ومع تصاعد التوجه العالمي نحو المركبات الكهربائية والقيادة الذاتية.
القرار ليس وليد اللحظة: خلفية اقتصادية وتقنية
خلال الأعوام الماضية، واجهت إنتل تحديات متعددة، منها تباطؤ الإيرادات، شدة المنافسة من شركات مثل Nvidia وAMD، وتأخرها في بعض تقنيات التصنيع مقارنة بمنافسيها. وبالرغم من استثمارها الهائل في تطوير معالجات مخصصة للسيارات، إلا أن العوائد لم تكن بالمستوى المأمول.
كما تأثرت الشركة بعدة عوامل خارجة عن إرادتها، مثل تباطؤ الطلب العالمي على السيارات، والتضخم الاقتصادي، واضطرابات سلسلة التوريد، التي أدت إلى شح في توفر الرقاقات خلال جائحة كوفيد-19، وهو ما عرقل خطط التوسع في هذا القطاع.
إنتل لم تبدأ من الصفر في هذا المجال. ففي عام 2017، استحوذت على شركة Mobileye الإسرائيلية المتخصصة في تكنولوجيا القيادة الذاتية، في صفقة تاريخية بلغت 15.3 مليار دولار. هذا الاستحواذ مثّل آنذاك تحولًا استراتيجيًا في مسار الشركة نحو قطاع السيارات الذكية، وبدأت من خلاله بناء قدرات متقدمة في المعالجة البصرية والذكاء الاصطناعي داخل السيارات.
ولم يتوقف طموح إنتل عند ذلك؛ بل أعلنت في السنوات التالية عن تطوير معالجات ARC GPU المصممة خصيصًا لقطاع السيارات، ودعمت أنظمة المعلومات والترفيه، ومساعدات القيادة، ولوحات العدادات الرقمية. حتى أنها كشفت في 2023 عن رقاقات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحسين التجربة الصوتية داخل السيارة، مثل تفعيل الأوامر الصوتية وتخصيص إعدادات السيارة تلقائيًا.
لكن مع كل هذا، لم يتمكّن القسم من تحقيق أداء مالي مستدام، وبدأت إشارات التراجع تظهر، خاصةً مع دخول شركات عملاقة مثل تسلا، كوالكوم، وأبل إلى المجال بقوة.
إعادة تموضع استراتيجي: العودة إلى الجذور
في أبريل 2025، أعلن الرئيس التنفيذي الجديد لشركة إنتل ليب بو تان (Lip-Bu Tan) عن خطة واسعة لإعادة هيكلة الشركة، مؤكداً أن المرحلة المقبلة ستتطلب إعادة ترتيب الأولويات وتقليص القوى العاملة بشكل مدروس لضمان الاستدامة على المدى الطويل. واعتبر أن الذكاء الاصطناعي، الحوسبة السحابية، والمعالجات المخصصة لمراكز البيانات هي المستقبل الحقيقي لإنتل.
وفي هذا السياق، يُفهم قرار إغلاق قسم رقاقات السيارات على أنه جزء من هذه الرؤية الأشمل. فهو لا يُعبّر عن فشل بقدر ما يُعبر عن إدراك لحجم التحديات، ومرونة استراتيجية لتجنب الاستنزاف المالي في قطاعات أقل جدوى.
ماذا عن Mobileye؟
رغم قرار الإغلاق، أكدت الشركة أنها ستواصل دعم واستثمارها في Mobileye، التي أصبحت شركة مستقلة مدرجة في البورصة، ولكن ما زالت إنتل تملك حصة الأغلبية فيها. هذا يعني أن الانسحاب يشمل فقط الرقاقات التي تنتجها إنتل داخليًا لتشغيل وظائف السيارات العامة، وليس تقنيات القيادة الذاتية المتقدمة.
انعكاسات القرار: كيف سيؤثر على الصناعة؟
بالرغم من أن إنتل ليست الشركة الوحيدة في السوق، فإن قرارها سيُحدث أثرًا ملحوظًا. شركات تصنيع السيارات التي اعتمدت على رقاقات إنتل قد تواجه ضرورة إعادة تقييم علاقاتها التكنولوجية أو التوجه نحو مزودي رقاقات بديلين مثل Nvidia، Qualcomm، وحتى سامسونج وTSMC.
كما أثار القرار تساؤلات في أوساط صناعة التكنولوجيا، حول ما إذا كانت الوعود التكنولوجية التي ارتبطت بمفهوم “السيارة الذكية” قد جرى تضخيمها دون دراسة كافية للجدوى الاقتصادية.
ماذا بعد؟ مستقبل إنتل بعد الخروج من السباق
اليوم، تعلن إنتل بوضوح أنها تعود إلى ملعبها الرئيسي: الحوسبة والذكاء الاصطناعي. وقد ضخت الشركة بالفعل استثمارات ضخمة في تصميم معالجات تدعم نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، وبُنى تحتية ضخمة لمراكز البيانات حول العالم. وتعمل حاليًا على تطوير معماريات جديدة لمنافسة Nvidia في قطاع المعالجات المخصصة للذكاء الاصطناعي، خاصة مع ازدهار نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) التي تتطلب قدرات حوسبة فائقة.
الانسحاب من قطاع السيارات لا يعني تراجع إنتل، بل على العكس، هو إشارة على رغبتها في استعادة تفوقها في المجالات التي كانت تُهيمن عليها تاريخيًا. فبدلاً من التشتت في عدة قطاعات، تسعى الآن للتركيز في مجالات ذات ربحية عالية، وفرص نمو متزايدة.