ميتا تستهدف أتمتة إعلاناتها بالكامل عبر الذكاء الاصطناعي بحلول 2026

في مشهد رقمي يتغير بوتيرة غير مسبوقة، تستعد شركة “ميتا” لإحداث تحول نوعي في صناعة الإعلان الرقمي من خلال إطلاق أدوات إعلانية جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، في خطوة تعكس طموحها لأن تصبح الرائدة عالميًا في مجال الإعلانات المولدة آليًا. ويأتي هذا التوجه كجزء من استراتيجية أشمل يقودها الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرغ، وتهدف إلى إعادة هيكلة النظام الإعلاني بالكامل، ليصبح أكثر ذكاءً وفعالية وقابلية للتخصيص.

وبحسب ما نقلته صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مصادر مطلعة، واطلعت عليه “العربية Business”، فإن الأدوات التي تطورها “ميتا” ستمكن العلامات التجارية من تقديم صورة واحدة فقط للمنتج، وتحديد ميزانية الحملة الإعلانية، في حين يتولى الذكاء الاصطناعي مهمة إنتاج الإعلانات بالكامل. يشمل ذلك إنتاج النصوص الترويجية، وتوليد الصور والفيديوهات التوضيحية، إضافة إلى تحديد الجمهور المستهدف بدقة عالية عبر منصتي “فيسبوك” و”إنستغرام”.

ما يميز هذه التقنية هو قدرتها على إنشاء إعلانات ديناميكية، تتغير تلقائيًا لتناسب خصائص المستخدم، مثل موقعه الجغرافي، أو حالته المناخية، أو حتى عاداته الشرائية. على سبيل المثال، قد يرى مستخدم يعيش في منطقة جبلية أو ثلجية إعلانًا لسيارة وهي تسير بقوة على طريق تغمره الثلوج، في حين يظهر الإعلان نفسه بشكل مختلف تمامًا لشخص يعيش في مدينة مزدحمة، حيث تظهر السيارة وهي تسير بانسيابية وسط حركة المرور.

وتأتي هذه الخطوة في وقت يشهد فيه سوق الإعلانات الرقمية منافسة شديدة بين شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث أصبح التميز في تقديم الإعلانات المخصصة عاملًا أساسيًا في جذب المعلنين والحفاظ عليهم. وتشير البيانات إلى أن “ميتا” تعتمد بشكل كبير على إيرادات الإعلانات، التي شكّلت أكثر من 97% من إجمالي إيرادات الشركة في عام 2024، ما يجعل هذا التحول الذكي في منظومتها الإعلانية ضرورة استراتيجية وليس خيارًا.

زوكربيرغ صرح علنًا بأن مستقبل الإعلانات يكمن في “أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على تقديم نتائج دقيقة وقابلة للقياس على نطاق واسع”، مشددًا على أن الأدوات الجديدة لن تكون مجرد وسيلة لتحسين الإعلانات، بل منصة متكاملة تسمح للشركات بتحديد أهدافها التسويقية، وضبط ميزانياتها، وترك المهام التقنية للخوارزميات التي تدير العمليات بالكامل بكفاءة وشفافية.

ويشمل هذا التوجه أيضًا إمكانية أن يرى كل مستخدم نسخة مختلفة من الإعلان نفسه، في تجربة إعلانية مخصصة بالكامل وفردية. هذه القدرة على “تخصيص المحتوى في الزمن الحقيقي” تعد ثورة في عالم التسويق الرقمي، حيث كانت الحملات الإعلانية سابقًا تعتمد على نموذج واحد يُعرض على جميع الفئات المستهدفة، مما يقلل من فعالية الاستهداف ويهدر الميزانية الإعلانية.

من جهة أخرى، تسير شركات أخرى مثل “سناب”، “بينترست”، و”ريديت” على النهج ذاته، حيث تستثمر بشكل متزايد في أدوات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لجذب المزيد من المعلنين، خاصة في ظل تزايد المنافسة وازدياد صعوبة الحفاظ على ولاء المستخدمين في عالم رقمي مكتظ بالإعلانات.

أما على صعيد شركات التكنولوجيا الكبرى، فقد أطلقت “غوغل” و”OpenAI” أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتوليد الصور والفيديو، إلا أن استخدامها في الإعلانات ما زال محدودًا، ويرجع ذلك إلى المخاوف المستمرة لدى المسوقين من فقدان السيطرة على الرسائل الإعلانية، إضافة إلى تحديات تتعلق بجودة المحتوى وسلامة العلامة التجارية، وهي مخاوف مشروعة في بيئة لا تزال تُختبر فيها هذه الأدوات الجديدة.

ولمعالجة هذه المخاوف، تعمل “ميتا” على تطوير أدوات توازن بين الأتمتة والرقابة الإبداعية، بحيث يمكن للمعلنين الاحتفاظ بدرجة من التحكم في الرسائل الأساسية، مع الاستفادة من سرعة الذكاء الاصطناعي ودقته. ومن المتوقع أن تتيح المنصة الجديدة إعداد سيناريوهات متعددة وتحديد نغمة الرسالة أو الأسلوب المرغوب، لتضمن توافق المخرجات مع هوية العلامة التجارية.

كما تدعم هذه الأدوات الجديدة استثمارات “ميتا” الضخمة في البنية التحتية، بما في ذلك تطوير رقائق معالجة الذكاء الاصطناعي، وتوسعة مراكز البيانات حول العالم، وتدريب نماذج لغوية وصورية قادرة على فهم سياقات متعددة وإنشاء محتوى إبداعي متنوع وفعال تسويقيًا.

ما تفعله “ميتا” حاليًا ليس مجرد تحسين للأدوات الإعلانية، بل هو محاولة لإعادة كتابة قواعد الإعلان الرقمي بالكامل، من خلال تقنيات تدمج التحليل السلوكي، والذكاء الاصطناعي التوليدي، والتخصيص الفوري. وفي حال أثبتت هذه التقنيات فعاليتها ونجحت في إقناع الشركات والعلامات التجارية، فقد نشهد تحولًا جذريًا في سوق الإعلانات الرقمية، تقوده “ميتا” من موقع الصدارة.