آخر الأخبار
ميتا تتجه لافتتاح متاجر فعلية لتمكين تجربة أجهزتها الذكية

في تحرك قد يعيد صياغة معادلة حضورها في سوق الأجهزة الذكية، تعمل شركة ميتا (Meta)، الشركة الأم لفيسبوك وإنستغرام وواتساب، على إطلاق مشروع استراتيجي طموح يهدف إلى التوسّع في قطاع التجزئة عبر افتتاح سلسلة من المتاجر الفعلية، لتقديم تجربة ميدانية تفاعلية لعملائها حول منتجاتها الجديدة، خاصة تلك المرتبطة بتقنيات الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR).
ووفقًا لوثيقة داخلية سرّبها موقع بيزنس إنسايدر الأمريكي، فإن المشروع لا يزال في مراحله الأولى ولم يتم الكشف عنه رسميًا بعد، بل إن نطاق معرفته داخل الشركة محدود للغاية في الوقت الراهن. ويعكس هذا التحرك توجّهًا استراتيجيًا جديدًا داخل ميتا، هدفه الرئيسي هو تحويل الأجهزة الذكية التابعة لها إلى ركيزة أساسية في تجربة المستخدم، وربما إلى منصة حوسبة مستقبلية تنافس كبرى شركات التكنولوجيا حول العالم.
لماذا تدخل ميتا قطاع المتاجر الآن؟
لطالما كانت شركة ميتا تركز على بناء منصات رقمية للتواصل الاجتماعي، إلا أن السنوات القليلة الماضية شهدت تحولًا ملحوظًا في استراتيجيتها، خاصة مع دخولها مجالات مثل الميتافيرس، والذكاء الاصطناعي، والواقع الممتد (XR). ونتيجة لهذا التوسع، أصبحت الشركة بحاجة إلى قنوات جديدة تمكّن المستخدم من تجربة هذه الابتكارات بطريقة مباشرة، وهو أمر يصعب تحقيقه عبر الإنترنت فقط.
تجربة الواقع المعزز والواقع الافتراضي تتطلب تفاعلًا حسيًا وتجربة عملية، لا يمكن إيصالها بالكامل من خلال الإعلانات أو المراجعات التقنية. ومن هنا جاءت فكرة إنشاء متاجر فعلية تساعد في سد الفجوة بين العالم الرقمي والواقعي، وتمنح المستخدمين فرصة لاكتشاف منتجات ميتا بأنفسهم قبل الشراء.
الواقع الحالي: متجر واحد وتجربة مؤقتة
حتى لحظة إعداد هذا التقرير، تمتلك ميتا متجرًا فعليًا وحيدًا، هو “متجر ميتا” (Meta Store) الذي افتتحته في ولاية كاليفورنيا عام 2022. يتميز هذا المتجر بتصميمه الحديث وتجربته التفاعلية، حيث يمكن للزوار تجربة نظارات الواقع الافتراضي Quest، واستكشاف ميزات نظارات الواقع المعزز Ray-Ban Meta، والتفاعل مع أجهزة الشركة الأخرى، بما في ذلك شاشات Portal وسماعات Meta Smart.
وفي عام 2023، أطلقت ميتا تجربة تجريبية أخرى في مدينة لوس أنجلوس، من خلال متجر مؤقت تحت اسم “Meta Lab“، كان مخصصًا لبيع وعرض نظارات Ray-Ban Meta، والتي تمثل إحدى أبرز شراكات ميتا مع العلامات التجارية العالمية مثل Ray-Ban التابعة لشركة EssilorLuxottica.
رغم النجاح المحدود لهذه التجارب، إلا أنها أثبتت فعالية كبيرة في جذب انتباه العملاء، وزيادة معدلات التحويل من الزوار إلى المشترين، وهو ما شجّع إدارة ميتا على التفكير في مشروع أوسع وأكثر انتشارًا جغرافيًا.
يُعد منتجا Ray-Ban Meta وMeta Quest حجر الأساس في هذا المشروع. فقد أعلنت ميتا أنها باعت أكثر من مليون وحدة من نظارات Ray-Ban Meta خلال عام 2024 فقط، وهو رقم قياسي يُظهر حجم الطلب المتزايد على الأجهزة التي تمزج بين الأناقة التقنية والابتكار الوظيفي.
وبينما أشاد الرئيس التنفيذي للشركة، مارك زوكربيرج، بهذا الرقم واعتبره “بداية جيدة”، إلا أنه أشار بوضوح إلى أن هذه المبيعات لا تزال في إطار المرحلة الاستكشافية، وليست مؤشرًا حاسمًا على تحول استراتيجي ناجح بعد.
زوكربيرج أكد في أحد الاجتماعات الداخلية أن عام 2025 سيكون عامًا مفصليًا في تحديد مستقبل هذه الأجهزة، وما إذا كانت ستُشكل تحولًا جوهريًا نحو ما سمّاه “منصة حوسبة بارزة”، أم أنها ستظل مجرد رهان طويل الأمد في سوق شديد التنافسية.
هل تحاكي ميتا تجربة آبل؟
المقارنة بين ما تعتزم ميتا فعله وما فعلته شركة آبل خلال العقدين الماضيين ليست عبثية. فمتاجر آبل تُعد اليوم واحدة من أنجح تجارب البيع بالتجزئة في قطاع التكنولوجيا، وتُشكل نقطة التقاء رئيسية بين العملاء والمنتجات.
آبل اعتمدت منذ البداية على إنشاء مساحات تفاعلية مصممة بعناية، تسمح للمستخدمين بتجربة الأجهزة قبل الشراء، وتقدم خدمات دعم وصيانة فورية. وقد ساهم هذا النموذج في ترسيخ مكانة آبل كعلامة تجارية موثوقة ومحبوبة، وزاد من معدلات ولاء العملاء لها.
من هنا، فإن توجه ميتا نحو افتتاح متاجر فعلية قد يُنظر إليه كنوع من محاكاة هذا النموذج الناجح، مع تعديلات تتناسب مع طبيعة منتجاتها الجديدة، التي تحتاج إلى توعية وتثقيف وتجربة فعلية أكثر من الهواتف أو الحواسيب.
لماذا البيع بالتجزئة مهم الآن أكثر من أي وقت مضى؟
توسّع ميتا في البيع بالتجزئة لا يهدف فقط إلى تحقيق المبيعات، بل يعكس تحولًا في فلسفة الشركة نحو تقديم تجربة متكاملة للعملاء. فالمتاجر الفعلية توفر:
- تجربة عملية حقيقية للمنتجات.
- تعزيز الثقة لدى العملاء.
- تدريب المستخدمين على استخدام الأجهزة.
- تقليل معدلات الإرجاع والاستبدال.
- إنشاء روابط عاطفية بين العلامة التجارية والمستخدم.
وفي بيئة أصبحت فيها المنافسة شرسة، والتكنولوجيا أكثر تعقيدًا، يُعد تقديم تجربة سلسة ومفهومة للمستخدمين أمرًا حاسمًا لبناء علاقة مستدامة مع العملاء.
رغم الطموحات الكبيرة، يواجه هذا المشروع عددًا من التحديات، من بينها:
- التكلفة العالية لإنشاء وتشغيل المتاجر.
- صعوبة إيجاد مواقع استراتيجية في المدن الكبرى.
- توفير كوادر بشرية مدربة على تقنيات متقدمة.
- إقناع المستخدمين بقيمة المنتجات الجديدة.
- تجنب مصير تجارب أخرى لم تنجح مثل تجزئة أمازون.
لكن في حال نجحت ميتا في تجاوز هذه التحديات، فإن المشروع قد يكون نقطة تحول في مستقبل الشركة.
مع التغيرات السريعة في عالم التكنولوجيا، تبحث الشركات الرائدة عن طرق جديدة للاقتراب من المستخدمين. ويبدو أن ميتا قد وجدت في التجزئة قناةً استراتيجية لعرض ابتكاراتها، وتحويل مفاهيم مثل الواقع المعزز والميتافيرس من أفكار نظرية إلى تجربة حقيقية تعاش في المتاجر.
عام 2025 قد يحمل الجواب الحاسم، لكن ما يبدو واضحًا الآن هو أن ميتا لا تريد أن تظل حبيسة الشاشات الرقمية، بل تتجه بقوة نحو عالم مادي تفاعلي، تكون فيه المتاجر بوابة الدخول إلى مستقبلها الطموح.