آخر الأخبار
OpenAI تستحوذ على شركة “io” بقيادة المصمم الشهير جوني آيف لإعادة تعريف مستقبل أجهزة الذكاء الاصطناعي

استحواذ بقيمة 6.5 مليارات دولار يعيد رسم العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا
في خطوة وُصفت بأنها من أكثر التحركات الاستراتيجية طموحًا في تاريخ الشركات التقنية الحديثة، أعلنت شركة OpenAI في الشهر الماضي عن استحواذها على الشركة الناشئة “io”، التي أسسها المصمم الشهير السير جوني آيف، أحد أهم الأسماء التي ساهمت في تشكيل ملامح عالم التكنولوجيا الاستهلاكية خلال العقود الثلاثة الماضية.
وبلغت قيمة الصفقة نحو 6.5 مليارات دولار، ما يشير إلى مدى جدية OpenAI في الدخول إلى عالم الأجهزة الذكية المادية بعد أن تصدرت السباق في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT.
هذه الخطوة تفتح الباب أمام نقلة نوعية في العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والبشر، وتعيد طرح السؤال الأهم:
هل نحن على مشارف عصر جديد تنتهي فيه الحاجة إلى الهواتف الذكية التقليدية، ونبدأ في الاعتماد على أجهزة ذكاء اصطناعي ترتديها أو تتفاعل معنا من حولنا بذكاء وسلاسة؟
لمن لا يعرف جوني آيف، يكفي أن نقول إنه العبقري الإبداعي الذي كان يقف خلف تصميم أشهر منتجات Apple، بما في ذلك iMac، iPod، iPhone، iPad، وApple Watch.
منذ انضمامه إلى Apple في التسعينيات، تمكن من إعادة تعريف العلاقة بين الإنسان والجهاز، حيث جمع بين البساطة الفلسفية والدقة التصميمية، ليصنع من الأجهزة أدوات محببة ترتبط بالمستخدم عاطفيًا، وليس فقط عمليًا.
بعد مغادرته Apple في عام 2019، أسس آيف شركته الخاصة “LoveFrom”، ومنها انبثقت شركة “io” التي تمثل محاولة حرة لاستكشاف مستقبل التصميم بعيدًا عن الأنظمة التقليدية.
ومع انضمامه إلى OpenAI، يبدو أن المصمم البريطاني يسعى مرة أخرى إلى إعادة ابتكار الأجهزة التقنية من الصفر، وهذه المرة مدعومة بأحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ما الذي تعمل عليه OpenAI بالتعاون مع جوني آيف؟
رغم أن التفاصيل الرسمية حول المشاريع لا تزال غير معلنة من قبل OpenAI، إلا أن تسريبات وكالة بلومبرغ تشير إلى أن جوني آيف يقود حاليًا جهود تطوير مجموعة من الأجهزة الذكية التي ستحدث ثورة في طريقة تفاعل الإنسان مع الذكاء الاصطناعي.
وتتضمن هذه الأجهزة:
1. قلادة ذكية تُرتدى حول العنق
من أكثر المشاريع المثيرة للاهتمام هو تطوير جهاز محمول قابل للارتداء على شكل قلادة.
يُقال إن هذه القلادة مزوّدة بقدرات متقدمة للتفاعل مع نموذج ChatGPT، حيث تتيح للمستخدمين إصدار الأوامر الصوتية والتفاعل مع الذكاء الاصطناعي بطريقة طبيعية ومباشرة، دون الحاجة إلى شاشة أو تطبيق.
تُعتبر هذه القلادة خطوة جذرية نحو إعادة تعريف الحوسبة الشخصية، بحيث يصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا دائمًا من تواجد الإنسان، يُرافقه ويتفاعل معه كما لو كان صديقًا ذكيًا دائم الاستعداد.
2. جهاز منزلي يشبه مكبر الصوت الذكي
المنتج الثاني قيد التطوير هو جهاز منزلي يشبه مكبرات الصوت الذكية، مثل Amazon Echo وGoogle Home، لكنه مختلف من حيث العمق والسياق التفاعلي.
فبدلًا من مجرد تنفيذ الأوامر، يتوقع أن يكون هذا الجهاز قادرًا على فهم السياقات والأنماط السلوكية، وتقديم اقتراحات وقرارات مبنية على التحليل اللحظي والذاكرة الاصطناعية.
3. روبوت تفاعلي يعتمد على الذكاء الاصطناعي
ربما أكثر المشاريع طموحًا وإثارة هو مشروع الروبوت التفاعلي المدعوم بالذكاء الاصطناعي.
بحسب تقرير بلومبرغ، فإن OpenAI تعمل على بناء روبوت يمكنه تكوين علاقة مع الإنسان، ليس فقط كأداة أو مساعد، بل ككائن تفاعلي يمكنه الفهم والاستجابة للعواطف والسياقات.
يُتوقع أن يكون هذا الروبوت بمثابة “مرافق ذكي” قادر على تقديم الدعم في المواقف اليومية، سواء على المستوى الشخصي أو المهني، ويفتح الباب لتطبيقات غير مسبوقة في التعليم، الرعاية الصحية، وحتى العلاقات الاجتماعية.
ما يزيد من قوة هذا التوجه أن هناك إشارات واضحة بأن OpenAI لا تسعى فقط إلى تحسين ما هو موجود، بل تهدف إلى إلغاء الحاجة إلى الهواتف الذكية كما نعرفها اليوم.
فقد تحدثت تقارير عن تطوير “جهاز ذكي بلا شاشة”، يُمكن أن يكون بديلاً للهاتف المحمول، وهو ما يتماشى مع مفهوم القلادة الذكية القابلة للارتداء.
هذه الرؤية تتعارض جذريًا مع فلسفة شركات مثل Apple وSamsung، التي تعتمد على الشاشات كمركز للتفاعل، وتشير إلى مستقبل تتحول فيه الحوسبة من جهاز نحمله إلى بيئة محيطة بنا، ذكية، شفافة، ومندمجة في حياتنا اليومية.
ويُذكر أن إيدي كيو، نائب رئيس قسم الخدمات في Apple، أشار خلال شهادته في إحدى قضايا مكافحة الاحتكار إلى أن “الآيفون قد لا يكون موجودًا بعد 10 سنوات“، في دلالة صريحة على أن Apple نفسها تدرك أن مستقبل الأجهزة سيتغير جذريًا.
ألتمان × آيف: تكامل العبقرية التقنية مع الرؤية التصميمية
لم يخفِ الرئيس التنفيذي لـ OpenAI، سام ألتمان، إعجابه الشديد بجوني آيف، حيث وصفه بـ”أفضل مصمم في العالم“، وأكد أن الشراكة بينهما تهدف إلى بناء الجيل القادم من أجهزة الحوسبة الشخصية المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
بالنسبة لألتمان، لا يكفي أن تكون النماذج اللغوية ذكية؛ بل يجب أن تعيش في أجساد ذكية، مصممة بعناية، ومحببة للبشر.
أما آيف، فيسعى إلى تحقيق تصميم يتفاعل مع الروح الإنسانية قبل أن يتفاعل مع العقل، وهذا ما يجعل هذا التعاون فريدًا من نوعه.
إن هذا التحول ليس مجرد مشروع عابر أو تجربة جمالية، بل تحوّل استراتيجي قد يُغير شكل السوق كليًا.
شركات مثل Apple وGoogle وMeta، التي استثمرت المليارات في الأجهزة والشاشات والتطبيقات، قد تجد نفسها فجأة في مواجهة تحدٍ جوهري من OpenAI:
ماذا لو استُبدلت جميع تلك الأجهزة بأداة واحدة ذكية، تُحاورك وتفهمك دون أن تحتاج إلى لمس شاشة أو فتح تطبيق؟
وإذا نجحت OpenAI في هذا المسعى، فإننا قد نشهد تحولًا عالميًا نحو أجهزة شخصية غير مرئية، تعتمد على الذكاء الاصطناعي بالكامل، وترافق الإنسان في كل لحظة، بدون الحاجة لحمل جهاز أو النظر إلى شاشة.
ما تعمل عليه OpenAI اليوم، بقيادة آيف وألتمان، ليس مجرد تطوير لأجهزة جديدة، بل هو محاولة لإعادة تعريف الذكاء الاصطناعي كرفيق بشري، يعيش بيننا، يفهمنا، ويتفاعل معنا بطرق طبيعية، إنسانية، وغير مقيّدة بالشاشات أو التطبيقات.
قد لا نكون بعيدين عن اليوم الذي نستبدل فيه هواتفنا المحمولة بقطعة تلبس في العنق، أو رفيق روبوتي ذكي يُحادثنا بفهم عاطفي.
وهذا المستقبل لم يعد مجرد خيال علمي، بل مشروع حقيقي، قيد التنفيذ الآن في مكاتب OpenAI.