آخر الأخبار
أوبن إيه آي تعيد النظر في هيكلها الربحي وتقرّر الإبقاء على السيطرة بيد الكيان غير الربحي

في خطوة لافتة تمثل تحولاً جوهرياً في استراتيجية الحوكمة والتمويل، أعلنت شركة “أوبن إيه آي” (OpenAI)، المطوّرة لأشهر نماذج الذكاء الاصطناعي في العالم مثل “تشات جي بي تي” (ChatGPT)، عن تراجعها عن خطة التحوّل إلى شركة ربحية تقليدية، مفضّلة الحفاظ على نموذج “شركة منفعة عامة” (Public Benefit Corporation) خاضعة لسيطرة الكيان غير الربحي الأصلي الذي أُنشئت في إطاره قبل عقد من الزمن.
يأتي هذا القرار بعد أشهر من الجدل المتصاعد والضغوط المكثّفة من جهات مختلفة، شملت موظفين سابقين في الشركة، وعدداً من الباحثين والأكاديميين، إضافة إلى بعض المنافسين في قطاع الذكاء الاصطناعي، وعلى رأسهم الملياردير إيلون ماسك، أحد مؤسسي OpenAI.
قرار استراتيجي بعد حوار مع الجهات التنظيمية
صرّح بريت تايلور، رئيس مجلس إدارة OpenAI، بأن القرار جاء بعد حوارات بنّاءة مع الجهات التنظيمية في ولايتي كاليفورنيا وديلاوير، اللتين تشرفان على الإطار القانوني للشركة وهيكلها. وقال:
“اتخذنا القرار بأن يحتفظ الكيان غير الربحي بالسيطرة على أوبن إيه آي، بعد الاستماع إلى قادة مدنيين، والانخراط في حوار بنّاء مع مكاتب النائب العام في الولايتين”.
هذا الإعلان يعكس توجهاً جديداً في مسيرة الشركة التي تأسست في عام 2015 كمؤسسة غير ربحية، بهدف تطوير ذكاء اصطناعي يخدم البشرية جمعاء. وفي عام 2019، أطلقت الشركة ذراعاً ربحية بغرض استقطاب رؤوس أموال خارجية تغطي التكاليف الهائلة المرتبطة بأبحاث وتطوير الذكاء الاصطناعي، إلا أن ذلك الهيكل المختلط ظل محلّ تساؤلات وجدال في الأوساط التقنية والأكاديمية.
ألتمان: الأولوية للمهمة لا للربح
الرئيس التنفيذي سام ألتمان أكّد خلال اتصال مع الصحافيين أن الإبقاء على الكيان غير الربحي في موضع القيادة هو الأفضل لضمان التزام الشركة برسالتها الأساسية. وقال:
“لن أدّعي أنه لن يكون من الأسهل ربما لو كنا شركة تقليدية بالكامل، لكن الأولوية هي للمهمة. نعتقد أن هذا الهيكل يتجاوز بكثير الحد الأدنى الذي نحتاجه لجمع التمويل”.
وأضاف أن هذا النموذج “الأكثر وضوحاً” من شأنه أن يخلق توازناً بين الاستدامة المالية والحفاظ على القيم الأساسية للشركة، والتي تركز على تطوير ذكاء اصطناعي آمن، شفاف، وقابل للمساءلة.
قرار OpenAI يأتي في ظل جولة تمويل جديدة ضخمة تسعى فيها الشركة لجمع نحو 40 مليار دولار. وقد كشفت مصادر مطلعة أن شركة “سوفت بنك”، التي تمثل أحد المستثمرين الرئيسيين، قد هدّدت بتقليص مساهمتها من 30 ملياراً إلى 20 مليار دولار في حال عدم إتمام هيكلة الشركة قبل نهاية العام الحالي.
ومن اللافت أن ألتمان أكّد أن “سوفت بنك” وافقت على الاستمرار في التمويل بموجب الهيكل الجديد، ما يمنح OpenAI فسحة من الوقت لتطبيق نموذج المنفعة العامة دون تعريض خططها التوسعية للخطر.
وفي خطوة أخرى لتشجيع المستثمرين، أعلنت الشركة عن إلغاء الحد الأقصى للعوائد المالية التي يمكن أن يحصل عليها المساهمون، وهو بند كان موجوداً سابقاً للحد من الأرباح في إطار التوازن مع الطبيعة غير الربحية للكيان الرئيسي.
رغم تحقيق OpenAI لعائدات متوقعة بقيمة 12.7 مليار دولار هذا العام، إلا أن كلفة تطوير النماذج المتقدمة لا تزال مرتفعة للغاية، وقد تصل إلى مليارات الدولارات للنموذج الواحد. وبسبب هذا التعقيد، حذّر خبراء قانونيون من أن التوازن بين المنفعة العامة والعوائد المالية قد يصبح هشّاً.
قال دارين شيفر، المحامي في مكتب “هانسون بريدجيت” في سان فرانسيسكو:
“القرار يبدو وكأنه محاولة للجمع بين الاستقلالية الأخلاقية والحاجة إلى جذب رؤوس الأموال. لكن هذا سيفتح الباب لتدقيق أكبر، خصوصاً حول ما إذا كانت الشركة تخدم فعلاً الصالح العام، أم أنها تنحاز بشكل غير مباشر إلى المصالح الخاصة”.
من جانبها، أوضحت روز تشان لوي، المديرة التنفيذية لمركز “لوييل ميلكن” للعمل الخيري في جامعة كاليفورنيا، أن “الشيطان يكمن في التفاصيل” — فمسألة سيطرة الكيان غير الربحي على قرارات الشركة التنفيذية ستكون عامل حسم في مدى مصداقية هذا التحوّل.
واجهت OpenAI معارضة شرسة من الملياردير إيلون ماسك، الذي شارك في تأسيس الشركة لكنه غادرها لاحقاً بسبب خلافات استراتيجية. وقدّم ماسك عرضاً غير مرغوب فيه بقيمة 97.4 مليار دولار لشراء أصول الكيان غير الربحي، إلا أن العرض قوبل بالرفض.
كما لجأ ماسك إلى القضاء لمحاولة منع OpenAI من التحوّل إلى شركة ربحية بالكامل، وهي دعوى لم تنجح في تحقيق هدفها النهائي، لكنها لا تزال قائمة جزئياً. وتزعم OpenAI أن ماسك يسعى إلى إبطاء تقدمها لصالح شركته المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي.
وعبّر عدد من الموظفين السابقين في الشركة عن قلقهم من التوجهات السابقة، مشيرين إلى ضرورة الحفاظ على توازن دقيق بين الابتكار والمسؤولية. من بينهم تودور ماركوف، الذي يعمل حالياً في شركة “أنثروبيك” المنافسة، وصرّح:
“نحن بحاجة إلى حواجز أمان قوية، لا مجرد نوايا حسنة. التفاصيل مهمة، وسنراقب عن كثب للتأكد من أن هذه السيطرة ليست مجرد حبر على ورق”.
بإعلانها الجديد، تدخل OpenAI مرحلة حساسة من تاريخها، حيث يتعيّن عليها الحفاظ على صورتها كمؤسسة تسعى لتطوير ذكاء اصطناعي يخدم الإنسانية، دون أن تخسر ثقة المستثمرين الذين يدعمون رؤيتها بمليارات الدولارات.
يبقى التحدي الأكبر في تنفيذ هذا التوازن الشائك، خاصة في بيئة مشبعة بالتنافس الشرس والتطورات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي.