آخر الأخبار
تدفق قياسي لاستثمارات رأس المال المغامر في الذكاء الاصطناعي خلال 2025 وسط مخاوف من الاستدامة

شهد قطاع الذكاء الاصطناعي خلال الربع الأول من عام 2025 موجة غير مسبوقة من تدفقات رأس المال المغامر، مدفوعة بحالة من الهلع لدى المستثمرين من فقدان فرصة الاستثمار في أكثر القطاعات تحولًا ونموًا في العصر الحديث. ورغم الزخم اللافت وجولات التمويل التي تصدرت المشهد الإخباري، بدأت تظهر بوادر تشكك في استدامة هذه العوائد، وأثيرت تساؤلات جدية بشأن مستقبل فرص الخروج الناجحة للمستثمرين وسط بيئة استثمارية تتسم بتزايد الضبابية وعدم اليقين.
وبحسب بيانات “PitchBook” والجمعية الوطنية لرأس المال المغامر (NVCA)، استحوذت شركات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي على 71% من إجمالي قيمة صفقات رأس المال المغامر في الولايات المتحدة خلال الربع الأول من العام، مقارنةً بـ46.8% خلال الفترة ذاتها من عام 2024. وتمركزت غالبية هذه الاستثمارات في أمريكا الشمالية، حيث شكّل القطاع نحو 70.2% من إجمالي قيمة الصفقات. وعلى الصعيد العالمي، بلغ حجم التمويل المخصص لشركات الذكاء الاصطناعي نحو 73.1 مليار دولار خلال الربع الأول فقط، أي أكثر من نصف القيمة الإجمالية لاستثمارات الذكاء الاصطناعي خلال العام الماضي بأكمله.
وكانت جولات التمويل الضخمة أبرز محركات هذا النمو، حيث قادت شركة “OpenAI” أضخم حملة تمويل خاص في التاريخ، بجمعها 40 مليار دولار بقيادة “SoftBank”. كما شهدت شركات مثل “Anthropic” (بتمويل قدره 4.5 مليارات دولار)، و”Groq” (1.5 مليار دولار)، و”Infinite Reality” (3 مليارات دولار) تدفقات مالية كبيرة. حتى عند استبعاد جولة “OpenAI” العملاقة، بقي الذكاء الاصطناعي مستحوذًا على 48.5% من إجمالي الاستثمارات في السوق الأمريكية، ومثّل نحو ثلث إجمالي عدد الصفقات المنجزة. ولحقت صناديق رأس المال المغامر التابعة للشركات الكبرى بالركب، حيث وجهت 41% من استثماراتها خلال الربع الأول نحو قطاع الذكاء الاصطناعي.
هذا الاندفاع الكبير في ضخ الأموال لم يكن مدفوعًا فقط بحسابات الجدوى المالية التقليدية، بل غذّاه شعور المستثمرين العميق بالخوف من فقدان الريادة في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، مما دفعهم إلى اتخاذ قرارات تمويلية سريعة وضخمة دون انتظار نضج السوق أو تقييم المخاطر بالشكل المعتاد.
لكن هذا النمو السريع لم يخلُ من المخاوف. فقد أشار خبراء ومحللون إلى أن هذه البيئة التمويلية المفرطة قد تؤدي إلى نتائج متباينة بشدة، مع ارتفاع احتمالات فشل العديد من الشركات الناشئة في تحقيق عوائد استثمارية مجزية بسبب غياب نماذج الأعمال المستدامة والتركيز المفرط على التوسع السريع على حساب الجودة والفعالية طويلة الأجل.
وفي الوقت الذي يواصل فيه قطاع الذكاء الاصطناعي جذب الاستثمارات الضخمة، يشهد السوق الأوسع لرأس المال المغامر تباطؤًا ملحوظًا في عمليات الخروج مثل الطروحات العامة الأولية (IPOs) وعمليات الاستحواذ، وهما القناتان الرئيسيتان لاستعادة العوائد. فقد أظهرت بيانات الربع الأول من 2025 انخفاضًا ملموسًا في عدد الصفقات الناجحة مقارنة بالربع السابق ونفس الفترة من العام الماضي، مع تأجيل شركات كبرى مثل “Klarna” و”Hinge Health” خططها للطرح العام، في حين واجهت “CoreWeave” تحديات كبيرة بعد إدراجها العام في البورصة، متأثرة بالتقلبات السياسية خصوصًا في السياسات الجمركية.
ورغم تسجيل بعض صفقات الاستحواذ المميزة مثل استحواذ شركة “Wiz” الذي اعتُبر واحدًا من أبرز الإنجازات منذ أواخر عام 2021، فإن النسبة العظمى من الاستحواذات (نحو 76%) استهدفت شركات ناشئة صغيرة لم تتجاوز جولة التمويل من الفئة B. وهو ما قلل من إمكانية تحقيق العوائد المرتفعة التي عادةً ما يسعى إليها المستثمرون المغامرون.
وعلاوة على ذلك، استمرت تحديات التمويل الأولي (Seed Funding)، حيث تم ضخ 3.8 مليارات دولار فقط عبر 892 صفقة تمويل أولية خلال الربع الأول، مقارنةً بـ4.1 مليارات دولار خلال الفترة ذاتها من عام 2024، مما يعكس صعوبة متزايدة أمام الشركات الناشئة للحصول على التمويل اللازم لبناء مشاريعها.
وتفاقمت حالة الغموض بفعل عوامل خارجية إضافية، على رأسها التقلبات في السياسات الجمركية الأمريكية تحت إدارة الرئيس ترامب، والتي ألقت بظلالها على سلاسل التوريد العالمية، مما زاد من صعوبة التخطيط الاستراتيجي للشركات الناشئة المعتمدة على المواد والمكونات المستوردة.
في ظل هذه البيئة المليئة بالفرص والمخاطر في آن واحد، يبدو أن الربع الأول من عام 2025 قد رسم ملامح سوق رأس مال مغامر جديدة، محورها الذكاء الاصطناعي، ولكنها في الوقت ذاته مشوبة بمخاوف كبيرة حول الاستدامة والعائدات طويلة الأمد. وبينما يواصل المستثمرون ضخ أموالهم بوتيرة قياسية، يبقى المستقبل مفتوحًا على كافة الاحتمالات، في سوق وصفه البعض بأنه يعيش “عامًا بلا بوصلة” — عامٌ تتحكم فيه مشاعر القلق أكثر من المعايير التقليدية لحسابات الربح والخسارة.