آخر الأخبار
أولى جلسات محاكمة “ميتا”: هل تقترب نهاية الاحتكار التكنولوجي في وسائل التواصل الاجتماعي؟

في تطور لافت وغير مسبوق في عالم التكنولوجيا، شرعت لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية (FTC) هذا الأسبوع في أولى جلساتها القضائية ضد شركة “ميتا” – المالكة لفيسبوك، إنستاجرام وواتساب – متهمةً إياها بممارسة احتكار غير قانوني في سوق وسائل التواصل الاجتماعي، وهي القضية التي قد تُفضي إلى تفكيك أحد أكبر التكتلات التكنولوجية في العالم.
وجاءت الجلسة الافتتاحية، التي عُقدت في العاصمة واشنطن، لتشهد تقديم لجنة التجارة الفيدرالية لمرافعتها الأولى، تتبعها مرافعات الدفاع من جانب شركة ميتا. وتكمن أهمية هذه المحاكمة ليس فقط في طبيعة الاتهامات، بل في الآثار المترتبة عليها في حال الحكم لصالح الحكومة، حيث سيكون من المحتمل فصل إنستاجرام وواتساب عن مظلة ميتا بعد أكثر من عقد من الاندماج التقني والعملياتي.
وأكد رئيس اللجنة، أندرو فيرغسون، في مقابلة تلفزيونية مع شبكة “فوكس بيزنس”، أن القضية تمثل مبدأ جوهريًا في تطبيق قوانين مكافحة الاحتكار، قائلاً: “نحن بحاجة لضمان ألا تصبح أي شركة قوية لدرجة تؤثر سلبًا في حياة ملايين المستخدمين. وهذه المحاكمة تدور حول هذا المبدأ بالضبط”.
المحاكمة، التي يُتوقع أن تمتد على مدار شهرين، ستشهد شهادات رئيسية أبرزها شهادة مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، إلى جانب شيريل ساندبرغ، المديرة التنفيذية السابقة للعمليات، التي غادرت الشركة العام الماضي.
“الاستحواذات القاتلة”.. في مرمى النيران
تركّز اللجنة في اتهاماتها على مفهوم “الاستحواذات القاتلة”، في إشارة إلى صفقات استحواذ ميتا على إنستاجرام (2012) وواتساب (2014)، واللتين تمتا بموافقة اللجنة نفسها في حينه. وتقول FTC إن ميتا سعت من خلال تلك الصفقات إلى قتل المنافسة في مهدها، بدلًا من تحسين خدماتها أو التنافس العادل.
وتستند الدعوى إلى عدد من المؤشرات، منها التراجع الملحوظ في جودة تجربة المستخدم، وزيادة الإعلانات بشكل مزعج، وتدهور سياسات الخصوصية، وهو ما تعتبره اللجنة دليلًا على غياب المنافسة الحقيقية في السوق.
من جانبها، ترفض ميتا الاتهامات جملة وتفصيلًا، وتؤكد أنها تواجه منافسة قوية من عدد من الشركات والمنصات مثل تيك توك، سناب شات، يوتيوب، iMessage من آبل، ومنصة إكس (تويتر سابقًا) التابعة لإيلون ماسك.
تاريخ طويل من التقاضي والجدل
تجدر الإشارة إلى أن التحقيقات في ممارسات ميتا بدأت رسميًا عام 2019 خلال إدارة الرئيس ترامب، ما أدى إلى رفع دعوى قضائية في ديسمبر 2020. وتُعد القضية اختبارًا حقيقيًا لقدرة الحكومة الأمريكية على كبح نفوذ عمالقة التكنولوجيا الذين سيطروا على قطاعات واسعة من الفضاء الرقمي على مدى العقدين الماضيين.
وتأتي هذه القضية في وقت يشهد فيه قطاع التكنولوجيا تغيرات متسارعة، سواء من حيث نماذج الأعمال، أو سياسات الخصوصية، أو ديناميكيات المنافسة. فالاستحواذات لم تتوقف، بل تسارعت في بعض الحالات، كما حدث مع استحواذ إيلون ماسك على تويتر، وصعود تيك توك كقوة لا يُستهان بها في مجال الفيديو القصير والتفاعل الاجتماعي.
كما أن شركة جوجل هي الأخرى تواجه دعاوى قضائية داخل الولايات المتحدة، تتعلق باتهامات مشابهة تتعلق بالاحتكار، وتطرح تساؤلات حول مستقبل عمالقة التكنولوجيا تحت عدسة الجهات التنظيمية.
محطة حاسمة في مستقبل التكنولوجيا
يبقى السؤال الأهم: هل تنجح لجنة التجارة الفيدرالية في إعادة رسم خريطة المنافسة في سوق التكنولوجيا العالمي؟ أم أن هذه الدعوى ستكون مجرد محطة عابرة في تاريخ طويل من المواجهات بين الحكومة الأمريكية وشركات وادي السيليكون؟
ما هو مؤكد أن نتائج هذه المحاكمة، أياً كانت، ستُشكل مرجعًا قانونيًا وسياسيًا مهمًا للسنوات القادمة، وستؤثر حتمًا على كيفية إقرار صفقات الاستحواذ التكنولوجية مستقبلًا