آخر الأخبار
“اليمين التكنولوجي”: تيار جديد يعيد رسم العلاقة بين وادي السيليكون والسياسة الأميركية

في ظل التوترات المتصاعدة بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والملياردير التقني إيلون ماسك، برز إلى السطح مفهوم جديد يعكس هذا الانقسام داخل التيار المحافظ: اليمين التكنولوجي أو ما يُعرف بـ Tech Right.
هذا المصطلح لا يشير فقط إلى توجه سياسي تقني محافظ، بل إلى تحول أعمق في طبيعة العلاقة بين رواد الأعمال في وادي السيليكون والتيارات السياسية التقليدية في الولايات المتحدة.
ورغم أن هذا التيار يتقاطع مع بعض أفكار حركة MAGA (اجعل أميركا عظيمة مجددًا)، إلا أنه يحتفظ بهوية مستقلة، تركّز على حرية السوق، والابتكار غير المقيّد، ورفض التدخل الحكومي في شؤون شركات التكنولوجيا.
ما هو Tech Right؟
Tech Right هو تيار سياسي وفكري ناشئ داخل مجتمع التكنولوجيا، يمثل مزيجًا بين:
- الليبرالية الاقتصادية: الرغبة في تقليل الضرائب، وخفض القيود التنظيمية.
- المحافظة الثقافية: دعم حرية التعبير ومقاومة ما يعتبره بعض أفراده “رقابة ليبرالية” من قبل شركات التكنولوجيا الكبرى.
- النزعة السيادية في التكنولوجيا: التركيز على تطوير الذكاء الاصطناعي والفضاء والدفاع الوطني بعيدًا عن التدخل البيروقراطي.
ظهر هذا التيار كردّ فعل على ما يراه أعضاؤه تغوّلًا حكوميًا في الابتكار، واستجابة للواقع السياسي الجديد الذي تقوده الشركات العملاقة، والتي باتت تتحكم بمفاصل الاقتصاد والمعلومات.
أبرز ملامح حركة “اليمين التكنولوجي”
- التركيز على الابتكار الحر:
أعضاء هذا التيار يرفضون القوانين التي تقيد الذكاء الاصطناعي، العملات الرقمية، أو أي تكنولوجيا ناشئة. ويعتبرون أن التنظيم المفرط يؤدي إلى قتل الإبداع، ويمنح الأفضلية للدول المنافسة مثل الصين. - معارضة الرقابة والبيروقراطية:
Tech Right يهاجم السياسات التي تفرض رقابة على المحتوى في وسائل التواصل، ويطالب بالشفافية المطلقة في التعامل مع حرية التعبير، حتى لو كان المحتوى مثيرًا للجدل. - تعزيز دور القطاع الخاص في الأمن القومي:
هذا التيار يدفع باتجاه إشراك شركات مثل SpaceX، Palantir، وAnduril في مشاريع الفضاء والدفاع، على حساب الاعتماد على المؤسسات الحكومية التقليدية. - إعادة رسم العلاقة مع السياسة التقليدية:
رغم أن بعض رموز التيار دعموا دونالد ترمب، إلا أنهم لا يترددون في انتقاده عندما تتعارض سياساته مع رؤيتهم للأسواق الحرة أو الابتكار.
الشخصيات البارزة في Tech Right:
◾ إيلون ماسك
الرئيس التنفيذي لشركات SpaceX، Tesla، ومالك منصة X (تويتر سابقًا).
يرى أن حرية التعبير يجب أن تكون مطلقة، ويعارض أي تدخل حكومي في الذكاء الاصطناعي أو سوق العملات الرقمية. رغم دعمه السابق لترمب، إلا أن الخلافات بينهما تصاعدت، خاصة بشأن الضرائب والتنظيمات الحكومية.
◾ بيتر ثيل
أحد مؤسسي PayPal ومستثمر مبكر في Facebook.
يعتبر من أوائل الأصوات المحافظة في وادي السيليكون، ويدعو إلى تقليص دور الحكومة الفيدرالية في التكنولوجيا والتعليم والابتكار.
◾ ديفيد ساكس
رجل أعمال ومستثمر في التكنولوجيا المالية والعملات الرقمية.
لعب دورًا سياسيًا ضمن إدارة ترمب كمستشار للسياسات التقنية، ويدعو إلى إلغاء القيود التنظيمية، وتوسيع استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل حر.
◾ مارك أندريسن
شريك مؤسس لشركة Andreessen Horowitz، وأحد أشهر المستثمرين في مجال البرمجيات والذكاء الاصطناعي.
يرى أن الحكومة تعيق النمو، وأن الابتكار التكنولوجي هو الوسيلة الوحيدة للحفاظ على الهيمنة الأميركية.
كيف يؤثر Tech Right على السياسات الأميركية؟
مع ازدياد تأثير وادي السيليكون على السياسة، أصبح من الواضح أن تيار Tech Right يسعى إلى:
- تقليل الضرائب المفروضة على شركات التقنية.
- رفع القيود عن تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة.
- تحرير الاقتصاد الرقمي من القوانين الفيدرالية التي يراها مقيدة وغير مواكبة للتطور.
- دعم مشاريع الفضاء والتكنولوجيا العسكرية من خلال شركات خاصة.
بعض المشرعين في الحزب الجمهوري بدأوا بتبنّي أجندات هذا التيار، في محاولة لاستقطاب الدعم من الشركات التقنية، وتحقيق التوازن بين القواعد المحافظة التقليدية ورواد الأعمال الجدد.
هل هو تحالف دائم أم صراع قادم؟
رغم الانسجام الظاهري، إلا أن العلاقة بين Tech Right والتيار المحافظ في الحزب الجمهوري ليست دائمًا متناغمة.
الخلاف بين ماسك وترمب نموذج على ذلك، إذ تتقاطع المصالح في بعض الملفات مثل حرية التعبير، لكنها تتباين في ملفات مثل السياسات الضريبية، الحماية الجمركية، والدور الحكومي.
في النهاية، يمكن القول إن Tech Right هو تيار في طور التشكل، يسعى لإعادة صياغة العلاقة بين السياسة والتكنولوجيا، مدفوعًا بنخبة من رواد الأعمال الذين يمتلكون المال، النفوذ، والمنصات القوية.
اليمين التكنولوجي ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل تحوّل هيكلي في السياسة الأميركية.
وفي عالم تقوده الخوارزميات والذكاء الاصطناعي، يبدو أن هذا التيار سيواصل توسيع نفوذه – ليس فقط في وادي السيليكون، بل في واشنطن أيضًا.