آخر الأخبار
تيك توك: ساحة خصبة للمعلومات المضللة حول الأمراض النفسية.. ADHD نموذجًا!

انتشار واسع لمحتوى غير دقيق يُهدد فهم الاضطرابات النفسية:
في عالمنا الرقمي المتصل، حيث تتشابك الخيوط بين الواقع الافتراضي وحياتنا اليومية، برز تطبيق تيك توك كساحة تفاعلية هائلة، منصة تتيح للجميع مشاركة لحظاتهم وأفكارهم في مقاطع فيديو قصيرة. لكن في خضم هذا التدفق الهائل من المحتوى، بدأت تظهر حكايات أخرى، قصص تتعلق بالصحة النفسية، وخاصة اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، ADHD.
تخيل أنك شاب أو شابة، تتصفح تيك توك بحثًا عن الترفيه والتواصل، فتصادف مقاطع فيديو تتحدث عن صعوبة التركيز، والاندفاعية، وفرط النشاط. قد تجد نفسك ترى انعكاسًا لبعض صفاتك في هذه المقاطع، وتبدأ تتساءل: هل أعاني من ADHD؟
هنا تبدأ الحكاية تأخذ منعطفًا خطرًا. فكما كشفت دراسات حديثة، جزء كبير من هذا المحتوى المنتشر على تيك توك حول ADHD ليس دقيقًا. بل أكثر من نصفه يقدم معلومات مضللة لا تتوافق مع المعايير الطبية والعلمية. وكأنك تستمع إلى حكايات خيالية بدلًا من حقائق علمية.
الأمر يزداد تعقيدًا عندما تعلم أن حتى أولئك الذين تم تشخيصهم بالفعل بـ ADHD يجدون صعوبة في التمييز بين المعلومات الصحيحة والخاطئة على تيك توك. وكأن بوصلتهم الداخلية تخطئ الاتجاه في هذا البحر المتلاطم من المعلومات.
وللأسف، لا يتوقف الأمر عند مجرد نشر معلومات غير دقيقة. فقد تبين أن العديد من صناع المحتوى على تيك توك يستغلون هذا الاهتمام المتزايد بـ ADHD للترويج لمنتجات وخدمات تجارية، مثل ألعاب تخفيف التوتر أو جلسات تدريبية، دون أن يكون لديهم أي مؤهلات طبية أو ترخيص لممارسة تقديم الاستشارات في مجال الصحة النفسية. وكأنهم بائعو وهم يستغلون حاجة الناس للمعرفة والدعم.
فاسيليا كاراسافا، الباحثة الرئيسية في إحدى هذه الدراسات، تحذر من خطورة هذه الظاهرة، مشيرة إلى أن صناع المحتوى غالبًا ما يقدمون أعراضًا عامة قد تنطبق على العديد من الحالات النفسية الأخرى، مثل الاكتئاب والقلق، وليس فقط ADHD. وكأنهم يرسمون صورة مشوشة للاضطراب، مما قد يؤدي إلى فهم خاطئ وتأخير الحصول على التشخيص الصحيح.
لا شك أن منصات التواصل الاجتماعي، بما فيها تيك توك، قد فتحت آفاقًا جديدة للتوعية بقضايا الصحة النفسية وتقليل الوصمة الاجتماعية المرتبطة بها. فهي تتيح للأفراد مشاركة تجاربهم وتقديم الدعم لبعضهم البعض. لكن في غياب الرقابة الفعالة، تتحول هذه الساحة إلى أرض خصبة لانتشار المعلومات المضللة، التي قد تدفع البعض إلى تشخيص أنفسهم بشكل خاطئ أو اتباع أساليب علاج غير مناسبة.
تيك توك، هذه المنصة العملاقة التي يقضي فيها الملايين ساعات يوميًا، أصبحت مصدرًا رئيسيًا للبحث عن المعلومات، خاصة بين الشباب. لكن في مجال الصحة النفسية، الاعتماد على تيك توك كمصدر أساسي للمعرفة يشبه الإبحار في محيط هائج بدون بوصلة أو خريطة.
دراسات أخرى كشفت أن نسبة كبيرة من مقاطع الفيديو الأكثر شعبية حول التوحد و ADHD على تيك توك تحتوي على معلومات غير دقيقة أو مبالغات وتشويه للحقائق. وكأن هناك قصة بديلة تُروى، بعيدة عن الحقائق العلمية.
المتخصصون في الصحة النفسية يحذرون من خطورة هذه المعلومات المضللة، مؤكدين أن التشخيص الدقيق لأي اضطراب نفسي يتطلب تقييمًا شاملًا من قبل متخصص مؤهل، وليس مجرد مشاهدة مقاطع فيديو قصيرة على الإنترنت. وكأنك تحاول بناء منزل بالاعتماد على صور غير واضحة بدلًا من مخطط هندسي دقيق.
الباحثون يخشون أن يؤدي هذا المحتوى المضلل إلى تضخيم الأعراض لدى الشباب، ودفعهم إلى توصية معلومات غير دقيقة للآخرين. لذا، يؤكد الخبراء على ضرورة مشاركة المتخصصين في الصحة النفسية بفعالية في هذه النقاشات عبر الإنترنت، لتقديم معلومات موثوقة ومبنية على الأدلة العلمية. وكأنهم يحاولون إضاءة الطريق الصحيح في هذا الظلام المعلوماتي.
يقدم الخبراء مجموعة من النصائح الهامة لمستخدمي تيك توك: توخي الحذر عند استهلاك محتوى الصحة النفسية، التحقق من مصداقية المصادر، استشارة المتخصصين المؤهلين، والمشاركة بوعي ومسؤولية. ففي عالم الصحة النفسية، المعلومة الصحيحة هي الخطوة الأولى نحو التعافي والفهم الحقيقي للذات.