آخر الأخبار
ويكيبيديا تُطلق خطة ثلاثية للذكاء الاصطناعي

في خطوة استباقية تحمل طابعًا إنسانيًا وتقنيًا في آنٍ واحد، كشفت مؤسسة ويكيميديا المشغلة لموسوعة ويكيبيديا – أكبر موسوعة معرفية حرة على الإنترنت – عن خطة طموحة تمتد على مدار ثلاث سنوات لتكامل الذكاء الاصطناعي في بنيتها التحريرية والتقنية، مؤكدةً أن التقنية الجديدة لن تكون بديلاً عن المحررين والمشرفين المتطوعين، بل ستُستخدم لتسهيل عملهم، ورفع جودة التجربة التطوعية في المنصة.
خطة تستند إلى مبادئ ويكيبيديا الأصلية
منذ تأسيسها في عام 2001، ظلت ويكيبيديا وفية لقيمها الجوهرية: الانفتاح، والشفافية، والعمل التعاوني الذي تقوده المجتمعات. وفي إعلانها الجديد، شددت مؤسسة ويكيميديا على أن نهج الذكاء الاصطناعي الذي تعتمده سيستمر في احترام هذه القيم، ولن يسمح مطلقًا بتحويل المنصة إلى فضاء تحريري آلي خالٍ من العنصر البشري.
تهدف الخطة إلى تطوير مجموعة من الأدوات والمزايا الذكية التي تُزيل الحواجز التقنية أمام المحررين، خاصةً أولئك الذين يفتقرون إلى المهارات البرمجية أو يواجهون صعوبات في التعامل مع واجهات التحرير المعقدة. وبهذه الطريقة، تسعى المؤسسة إلى جعل عملية التحرير أكثر سلاسة وانفتاحًا للجميع، بغض النظر عن خلفياتهم التقنية.
الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة لا كمحرر مستقل
أحد أبرز المفاهيم التي تسعى المؤسسة لتكريسها هو أن الذكاء الاصطناعي سيكون “مساعدًا رقميًا” أو “زميلًا تقنيًا”، يساهم في تسريع وإنجاز المهام المتكررة والمملة مثل مراجعة التعديلات الطفيفة، تنسيق المقالات، أو الكشف عن الروابط المعطوبة، ما يمنح المحررين وقتًا أكبر للتركيز على المهام الجوهرية كالنقاش، التحليل، وإثراء المحتوى.
وتوضح مؤسسة ويكيميديا أن الذكاء الاصطناعي سيُوظف أيضًا لتحسين تجربة البحث داخل الموسوعة، من خلال خوارزميات قادرة على فهم السياق والنية من وراء الاستعلام، بدلاً من الاكتفاء بمطابقة الكلمات المفتاحية، مما يُعزز من دقة النتائج وجودة الاكتشافات المعرفية.
تيسير انضمام المتطوعين وتوسيع قاعدة المحررين
تُعاني العديد من اللغات والمجتمعات على ويكيبيديا من قلة عدد المحررين النشطين، وهو ما تعزوه المؤسسة في جزء منه إلى الصعوبات التقنية التي قد تُعيق المستخدمين الجدد عن المشاركة. ولذلك، تولي الخطة الجديدة أهمية خاصة لأدوات الإرشاد الذكي، المصممة لتوجيه المتطوعين خطوة بخطوة، وتسهيل اندماجهم في بيئة التحرير.
وسوف تشمل هذه الأدوات نصائح فورية، واجهات مبسطة، واقتراحات ذكية، تساعد المستخدم على تجنب الأخطاء الشائعة، وفهم سياق المقالات، وتقديم مساهمات تتماشى مع سياسات المجتمع التحريري.
الترجمة الآلية وتعزيز التعدد اللغوي
من أبرز محاور الخطة الجديدة هو دعم الترجمة الآلية للمحتوى، بهدف تقليص الفجوة المعرفية بين اللغات، وضمان وصول المحتوى الغني إلى المجتمعات غير الناطقة بالإنجليزية. وستُستخدم أدوات ذكاء اصطناعي مدرّبة على فهم السياق الثقافي واللغوي للنصوص، لضمان دقة وملاءمة الترجمة، مع إتاحة التعديلات اليدوية من قبل المحررين لتصحيح أو تحسين النتائج.
هذا التوجّه يُعتبر حيويًا في دعم اللغات المهددة رقميًا، وتمكين المستخدمين من إنتاج محتوى بلغاتهم الأصلية دون الحاجة إلى إجادة لغة وسيطة، أو الاعتماد على أدوات خارجية غير متوافقة مع ثقافة التحرير في ويكيبيديا.
التزام صارم بالشفافية وحقوق المستخدمين
في ظل الجدل الدائر عالميًا حول استخدام الذكاء الاصطناعي ومخاطره، أكدت مؤسسة ويكيميديا التزامها التام بالمبادئ الأخلاقية، وخصوصًا فيما يتعلق بحماية بيانات المستخدمين، واحترام حقوق الإنسان، وعدم استخدام أي خوارزميات تُخالف هذه القيم.
كما تعهدت المؤسسة بأن تكون الأدوات المعتمدة مفتوحة المصدر، خاضعة للرقابة المجتمعية، ما يتيح للخبراء والمهتمين فحص الأكواد والمساهمة في تحسينها أو التحقق من نزاهتها. وتُعد هذه الخطوة بمثابة تأكيد على الشفافية والانفتاح اللذين ميّزا ويكيبيديا منذ انطلاقتها.
في عالم تتسابق فيه كبرى الشركات والمنصات إلى تبنّي الذكاء الاصطناعي كبديل عن الإنسان، تسير ويكيبيديا عكس التيار، وتُقدم نموذجًا جديدًا قوامه التكامل بين الإنسان والآلة. فهي لا ترى في التقنية تهديدًا، بل فرصة لتحسين بيئة العمل التطوعي، وتوسيع دائرة المشاركة، دون التنازل عن طابعها الإنساني التعاوني.
وبهذا النهج، تسعى المؤسسة إلى أن تُثبت أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون قوة دافعة نحو مزيد من الشمولية والديمقراطية المعرفية، لا أداة للسيطرة أو الإقصاء.