آخر الأخبار
هل تعلم أن سؤالًا بسيطًا إلى روبوت دردشة يمكن أن يستهلك طاقة كهربائية؟ أداة جديدة تكشف البصمة البيئية للذكاء الاصطناعي

ربما لم يخطر ببالك يومًا أن مجرد محادثة تجريها مع روبوت دردشة يعتمد على الذكاء الاصطناعي قد تكون لها كُلفة بيئية. في عالم تتسارع فيه وتيرة الابتكار، تبرز تساؤلات جدّية حول الأثر الخفي للتكنولوجيا المتقدمة، وخصوصًا الذكاء الاصطناعي الذي بات حاضرًا في تفاصيل حياتنا اليومية.
من كتابة بريد إلكتروني، إلى تلخيص مقال، أو حتى إنتاج صور وفيديوهات، أصبح الاعتماد على الذكاء الاصطناعي أمرًا يوميًا وطبيعيًا. لكن خلف الكواليس، تعمل هذه النماذج على وحدات معالجة رسومية (GPUs) ضخمة، تستهلك كميات هائلة من الكهرباء.
في خطوة نحو تسليط الضوء على هذه المسألة، ابتكر جوليان ديلافاند، مهندس في شركة Hugging Face، أداة مفتوحة المصدر تقيس مقدار الطاقة الكهربائية التي تستهلكها كل رسالة يتم إرسالها إلى نموذج ذكاء اصطناعي مثل:
- LLaMA 3.3 70B من Meta
- Gemma 3 من Google
هذه الأداة لا تقدم مجرد أرقام جافة، بل تقوم بمقارنة استهلاك الطاقة الناتج عن الرسائل بأنشطة منزلية مألوفة، مما يسهل فهم التأثير الفعلي لكل استعلام.
فمثلًا، عند طلب إنشاء رسالة بريد إلكتروني بسيطة من نموذج LLaMA 3، تستهلك العملية طاقة تعادل تشغيل الميكروويف لمدة 0.12 ثانية، أو محمصة خبز لمدة 0.02 ثانية فقط. لكنّ هذا “الاستعلام البسيط” يتكرر ملايين المرات يوميًا، ليتحوّل إلى حجم ضخم من الطاقة المستهلكة عالميًا.
استهلاك الكهرباء العالمي سيرتفع بشكل كبير في السنوات القادمة، نتيجة لتوسّع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، خصوصًا في مراكز البيانات التي تستضيف هذه النماذج.
الأمر لا يقتصر على توليد النصوص أو الرد على الأسئلة، بل يشمل أيضًا عمليات التدريب المكثفة للنماذج، التي تستهلك ملايين الجيجاواط من الكهرباء، ما يجعلها أحد أكبر التحديات البيئية في المستقبل القريب
رغم أن الأداة التي طوّرها ديلافاند تقدم تقديرات تقريبية فقط، إلا أنها تُعد خطوة مهمة نحو زيادة الوعي بشأن استهلاك الطاقة. كتب الفريق المطوّر:
“حتى التوفير الضئيل في الطاقة قد يتحوّل إلى توفير ضخم عند النظر إلى ملايين الرسائل يوميًا.”
ويأمل الفريق أن يتم إدراج مؤشرات استهلاك الطاقة مستقبلًا بشكل واضح، كأن تصبح “ملصقات طاقة رقمية” على نماذج الذكاء الاصطناعي، مثلما تُستخدم على المنتجات المنزلية لتحديد كفاءتها الطاقية.
هذا التحول نحو الشفافية قد يكون بداية لتبنّي أفضل الممارسات في مجال تطوير النماذج الذكية، مثل:
- استخدام نماذج صغيرة (Small Models) للمهام البسيطة لتقليل استهلاك الطاقة.
- جدولة عمليات المعالجة في أوقات انخفاض الطلب الطاقي.
- نقل مراكز البيانات إلى مناطق تعتمد على الطاقة المتجددة.
- تضمين مؤشرات استهلاك الطاقة في الواجهات البرمجية والنماذج الذكية.
وفي الوقت الذي تسعى فيه شركات مثل Meta وGoogle إلى تطوير نماذج أكبر وأقوى، فإن تساؤلات جديدة تبرز: هل يمكن تحقيق الذكاء الاصطناعي دون الإضرار بالبيئة؟ وهل يمكن أن يُصبح الذكاء الاصطناعي ذكيًا بما يكفي ليُحافظ على الكوكب أيضًا؟
ما تقدّمه هذه الأداة ليس فقط أرقامًا تقنية، بل رسالة قوية إلى جميع المستخدمين والمطورين:
“لنفكّر أكثر في الكلفة البيئية لتقنياتنا، ولنبحث عن حلول تقنية لا تستهلك فقط الطاقة، بل تنتج وعيًا أيضًا.”
بينما لا يُتوقع أن نتخلى عن استخدام الذكاء الاصطناعي، إلا أن الوعي بالتأثيرات البيئية والبحث عن طرق ذكية للاستفادة منه بأقل ضرر ممكن هو ما سيشكّل الفرق في المستقبل.