آخر الأخبار
كيف تسهم تقنية التوأم الرقمي في تسريع تطوير الأدوية والأجهزة الطبية؟

في عالم الطب الحديث، حيث تلتقي التكنولوجيا بالعلاج، ظهرت تقنية مبتكرة تُغير قواعد اللعبة: التوأم الرقمي. لكن، كيف بدأت هذه التقنية وكيف يمكن لها أن تحدث ثورة حقيقية في مجال الأبحاث الطبية وتطوير الأدوية؟ دعونا نتعرف على قصة هذه التقنية وكيفية تحولها إلى أداة محورية في صناعة الرعاية الصحية.
إحداث ثورة في الاختبارات الطبية
في أحد مختبرات “أدسيليكو”، الشركة الناشئة التي بدأت حلمها بتطوير حلول مبتكرة في مجال الرعاية الصحية، كان هناك فريق من العلماء والمهندسين الذين قرروا أن الوقت قد حان لإحداث تغيير حقيقي في طريقة اختبار الأجهزة الطبية. بدلاً من الاعتماد على التجارب التقليدية التي تتطلب أشهر من الاختبارات البشرية والمخاطر المرتبطة بها، قرروا أن يستخدموا التوائم الرقمية – نسخ افتراضية دقيقة لأعضاء بشرية حقيقية.
لقد كانت البداية مع التوأم الرقمي للقلب، وهو نموذج محاكي للقلب البشري قادر على محاكاة حركة ووظائف القلب في جميع الظروف. كان هذا التوأم الرقمي أداة ثورية لاختبار الأجهزة الطبية مثل الدعامات القلبية والصمامات الاصطناعية، ولكن الفرق هنا هو أن التجربة كانت تتم في بيئة افتراضية تمامًا قبل أن يتم وضع هذه الأجهزة في جسم إنسان حقيقي.
مرحلة الاكتشاف: تنوع وواقعية لا مثيل لها
ومع تقدم الأبحاث، لم تكتفِ “أدسيليكو” بنموذج واحد فقط للقلب. باستخدام الذكاء الاصطناعي وتحليل كميات ضخمة من البيانات، استطاعوا تطوير مجموعة متنوعة من القلوب الرقمية، كل منها يمثل خصائص فسيولوجية مختلفة مثل العمر، الجنس، الوزن، وضغط الدم. وهذا لم يكن مجرد اختبار للجهاز على شخص واحد أو مجموعة صغيرة، بل كان تمثيلًا دقيقًا لأفراد مختلفين من جميع الأعمار والجنسيات.
هذه التنوعات في نماذج القلب الرقمي جعلت من الممكن اختبار الأجهزة على مجموعة من الأشخاص – بما في ذلك الفئات التي كانت تُستبعد تقليديًا من التجارب السريرية مثل النساء والأقليات العرقية. وكل هذه التجارب كانت تتم في بيئة آمنة تمامًا، مما يعني أن الباحثين كانوا قادرين على فهم تأثير هذه الأجهزة في سيناريوهات متنوعة دون تعريض المرضى لأي مخاطر.
منع الأخطاء والتقليل من الخسائر
كانت هناك مشكلة أخرى تتعلق بالأجهزة الطبية. فقد أظهرت الدراسات أن الأجهزة الطبية تسببت في وفاة العديد من المرضى وإصابة آخرين بمشكلات خطيرة، وكان هناك نقص في اختبارات الأمان الحقيقية. هنا تأتي أهمية التوأم الرقمي: إنه يوفر بيئة افتراضية حيث يمكن اختبار الأجهزة بدقة أكبر في حالات طبية متنوعة، مثل ارتفاع أو انخفاض ضغط الدم، أو في مواجهة مشكلات صحية أخرى قد تؤثر على عمل الجهاز.
كما تقول شينا ماكفيرسون، الرئيسة التنفيذية لشركة “أدسيليكو”: “التوائم الرقمية توفر لنا فرصة ذهبية لاختبار الأجهزة الطبية بفعالية ودقة، حيث يمكننا محاكاة مئات السيناريوهات المرضية على آلاف القلوب الرقمية. هذه التقنية توفر نتائج أكثر تفصيلًا وأقل مخاطرة”.
التوأم الرقمي في عالم الأدوية: تسريع التجارب وتقليل التكاليف
لم تقتصر فائدة التوأم الرقمي على تطوير الأجهزة الطبية فقط، بل امتدت لتشمل صناعة الأدوية أيضًا. في شركة سانوفي للأدوية، وهي واحدة من الشركات الرائدة في مجال علم المناعة والأورام والأمراض النادرة، تم استخدام التوائم الرقمية لاختبار الأدوية الجديدة. من خلال نماذج رقمية محاكاة لمرضى حقيقيين، أصبح بإمكان الباحثين في سانوفي اختبار الأدوية في بيئة محاكاة دقيقة جدًا، مما يوفر عليهم الوقت والموارد التي كانت تُصرف في التجارب السريرية التقليدية.
وبفضل هذه التقنية، يتوقع مسؤولو سانوفي أن تقلل مدة اختبار الأدوية بنسبة 20%، مما يعني تقليص الوقت الذي يتم فيه تطوير الأدوية وزيادة معدل نجاحها في التجارب السريرية. الأمر الذي يعد إنجازًا ضخمًا في صناعة الأدوية حيث أن 90% من الأدوية الجديدة تفشل في مراحل التجارب السريرية المتقدمة.
التحديات: جودة البيانات والتنوع
لكن، مثل أي تقنية جديدة، يواجه التوأم الرقمي بعض التحديات. أحد أكبر هذه التحديات هو جودة البيانات التي تُدرب عليها نماذج الذكاء الاصطناعي. فغالبًا ما تكون هذه البيانات قديمة أو لا تمثل جميع الفئات السكانية، مما قد يؤدي إلى تحيز في النماذج الرقمية. ولكن، هناك جهود مستمرة من قبل الشركات مثل سانوفي لتوسيع قاعدة بياناتها باستخدام مصادر بيانات متنوعة مثل السجلات الصحية الإلكترونية والبنوك الحيوية، وهو ما يعزز دقة النتائج.
المستقبل: أفق واسع من الإمكانيات
رغم هذه التحديات، تبقى آفاق التوائم الرقمية واعدة جدًا. مع التحسين المستمر في تقنيات الذكاء الاصطناعي، يُتوقع أن تصبح التوائم الرقمية أكثر دقة وتعقيدًا، بحيث يمكنها محاكاة وظائف أعضاء بشرية أكثر تعقيدًا مثل الدماغ والكبد والكلى. هذا سيفتح أبوابًا جديدة لفهم الأمراض وعلاجها بطريقة أكثر تخصيصًا وفعالية.
وفي المستقبل، من المحتمل أن تساهم التوائم الرقمية في تطوير علاجات طبية مخصصة لكل مريض على حدة، مما قد يؤدي إلى نتائج أفضل وتحسين نوعية الحياة للمرضى في جميع أنحاء العالم.