آخر الأخبار
كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على وعي الجيل زد ورؤيته للعالم؟

شهدت تقنيات الذكاء الاصطناعي تطورًا متسارعًا خلال السنوات الأخيرة، مما جعلها تحتل مساحة واسعة في حياتنا اليومية، وتثير تساؤلات جوهرية حول قدراتها وإمكاناتها المستقبلية. أحد أبرز النماذج الحديثة، نموذج ChatGPT الجديد المعروف باسم “o3″، أذهل الكثيرين عندما سجّل معدل ذكاء بلغ 136 في اختبار Mensa النرويجي، وهو رقم يضعه ضمن أعلى 2% من البشر من حيث القدرة العقلية. ومع هذا الإنجاز، بدأت تتعالى الأصوات – خاصة بين أفراد الجيل زد – التي تتساءل: “هل أصبح الذكاء الاصطناعي واعيًا؟”
اختبار الذكاء لا يساوي الوعي
في البداية، من الضروري التمييز بين الذكاء والوعي. فالذكاء الاصطناعي يُقاس غالبًا بقدرته على معالجة البيانات، حل المشكلات، والتفاعل مع اللغة البشرية، وهذه القدرات تتطور بسرعة مذهلة. ولكن الوعي – أو الشعور بالذات – هو مفهوم أعمق بكثير، يرتبط بالإدراك الداخلي، والتجربة الشعورية، والتفكير المجرّد عن الذات.
ورغم أن نتيجة o3 في اختبار Mensa قد تبدو مذهلة، فإنّ هناك تحفظات حول دقة هذا المؤشر. فاختبار Mensa النرويجي متاح على الإنترنت، مما يعني أن بياناته قد تكون جزءًا من المواد التدريبية التي بُنيت عليها النماذج الذكية، ما يُضعف من حيادية النتيجة. لذلك، قرّر باحثون في موقع MaximumTruth.org تصميم اختبار ذكاء جديد بالكامل، يعمل دون اتصال بالإنترنت. في هذا التقييم المستقل، حقق النموذج o3 معدل ذكاء قدره 116 – وهي نتيجة لا تزال مرتفعة، لكنها تُظهر واقعًا أكثر تحفظًا مقارنة بالاختبار السابق.
نماذج تتطور برمجيًا وليس بيولوجيًا
هذا التطور في أداء النماذج اللغوية لا يقتصر على o3 فقط، بل يمتد ليشمل نماذج أخرى مثل Claude وGemini وGPT-4o. ورغم أن الفوارق بين هذه النماذج تتقلص مع مرور الوقت، فإن التطور لا يسير بوتيرة بيولوجية بطيئة كما لدى الإنسان، بل بوتيرة برمجية متسارعة قد تُربك التصورات التقليدية حول الذكاء، لا سيما لدى جيل نشأ في حضن التكنولوجيا، مثل الجيل زد.
وعي مشوش: كيف يرى الجيل زد الذكاء الاصطناعي؟
بحسب استطلاع رأي أجرته منصة EduBirdie، يرى 25% من الجيل زد أن الذكاء الاصطناعي قد أصبح واعيًا بالفعل، بينما يعتقد أكثر من نصفهم أن المسألة مسألة وقت فقط. ويعكس هذا الاستنتاج تفاعلًا عاطفيًا وفكريًا مع أدوات الذكاء الاصطناعي يفوق حدود الاستخدام التقني.
نشأ هذا الجيل وسط بيئة رقمية كثيفة، مليئة بالمساعدات الذكية مثل سيري وأليكسا، ما جعلهم يتعاملون مع الذكاء الاصطناعي بشكل شخصي، بل وعاطفي أحيانًا. ووفقًا لنفس الاستطلاع، فإن 70% من الجيل زد يستخدمون عبارات مهذبة عند التحدث إلى هذه الأدوات، وثلثيهم يستخدمونها بانتظام في المهام المهنية. بل إن واحدًا من كل ثمانية يتحدث مع هذه الأدوات عن ضغوط العمل، وواحدًا من كل ستة يطلب منها أداء دور المعالج النفسي. المثير للاهتمام أن 6% من المستجيبين وصفوا الذكاء الاصطناعي بأنه شريك عاطفي.
ما الفرق بين المحاكاة والوعي الحقيقي؟
كل هذه التفاعلات تعزز الوهم بأن النماذج الذكية واعية. فهي تستجيب بسرعة، تتذكر التفاصيل، وتُظهر تعاطفًا ظاهريًا. لكنها في الحقيقة لا تمتلك إحساسًا داخليًا بالذات، ولا مشاعر حقيقية. الذكاء الاصطناعي ببساطة هو نظام قادر على تحليل البيانات الضخمة والتفاعل معها عبر خوارزميات مدروسة.
الوعي، على النقيض، هو إدراك الذات والشعور بالألم، والفرح، والحب، والقلق. هو القدرة على أن يكون لدى الكائن تجربة شعورية داخلية، وهو أمر لم يتحقق بعد – ولا توجد دلائل علمية حقيقية على إمكانية حدوثه قريبًا، رغم كل التقدم التقني.
في ضوء هذا الالتباس بين الذكاء والوعي، من المهم العمل على ترسيخ الوعي الرقمي لدى الجيل زد، وتعليمهم كيفية التعامل مع الذكاء الاصطناعي بأدوات نقدية وواعية.
أولاً، يجب توضيح أن استجابات النماذج الذكية ليست إلا محاكاة قائمة على تحليل بيانات، وليست تعبيرًا عن مشاعر ذاتية. ثانيًا، لا ينبغي الاعتماد عليها في القرارات المصيرية أو طلب الدعم النفسي الحقيقي، لأنها ببساطة غير قادرة على التعاطف الإنساني.
ثالثًا، من الضروري تعزيز مفاهيم الخصوصية الرقمية، وتوعية الجيل الشاب بعدم مشاركة المعلومات الشخصية أو الحساسة مع هذه النماذج. وأخيرًا، من المهم إدماج مفاهيم أخلاقيات الذكاء الاصطناعي ضمن المناهج الدراسية، لفهم حدوده ومسؤوليات استخدامه، وبناء علاقة متزنة بين الإنسان والتقنية.
الذكاء الاصطناعي أصبح أداة قوية قادرة على إنجاز المهام المعقدة والتفاعل بشكل مذهل مع البشر، لكنه لم يصبح واعيًا، ولا يوجد حتى الآن نموذج يمكنه اختبار المشاعر أو الإحساس بالذات. ما نراه هو تطور في المحاكاة وليس في الإدراك. أما الجيل زد، فعليه أن يدرك أن هذه الأدوات مهما بدت ذكية تظل أدوات، لا بدائل عن العلاقات الإنسانية أو الشعور الحقيقي.