آخر الأخبار
نتفليكس تدخل عالم الفيديوهات القصيرة

في مشهد إعلامي سريع التغير، أصبحت المعركة على وقت المشاهد لا تقل أهمية عن جودة المحتوى. وفي خطوة تكشف عن مدى التحوّل في سلوك الجمهور وتفضيلاته، أعلنت “نتفليكس” عن اختبار ميزة جديدة لعرض مقاطع فيديو قصيرة، تُقدم عبر خلاصة عمودية في تطبيق الهواتف المحمولة، في محاولة لمنافسة منصات مثل “تيك توك” و”يوتيوب شورتس” و”إنستغرام ريلز”.
هذه التجربة، التي كُشف عنها خلال أول حدث تقني تنظمه الشركة، تمثل تحولًا لافتًا في استراتيجيتها، من التركيز على المشاهدة الطويلة إلى تبني نمط “الترفيه السريع”، الذي بات يستهلك جزءًا كبيرًا من وقت المستخدمين، حتى على حساب منصات البث التقليدية.
ميزة “مقاطع سريعة” تعكس تغيّر الذوق العام
الميزة الجديدة تتيح لمستخدمي تطبيق نتفليكس على الهواتف تصفح مقاطع فيديو قصيرة عمودية، مختارة من إنتاجات نتفليكس الأصلية، مثل المسلسلات والأفلام والبرامج الوثائقية. لكن هذه المقاطع لا تُعرض بشكل عشوائي، بل تُختار بعناية ضمن خلاصة تُعرف باسم “أفضل اختياراتك اليوم”، وهي مصممة خصيصًا لكل مستخدم بالاعتماد على بيانات تفضيلاته وسلوكه على المنصة.
وبضغطة زر واحدة، يمكن للمستخدم الانتقال من المقطع المختصر إلى الفيلم الكامل، أو إضافته إلى قائمة المشاهدة، أو حتى مشاركته مباشرةً مع الأصدقاء — وهو ما يشير إلى أن الهدف الأساسي ليس فقط الترفيه، بل زيادة فرص “التحويل” إلى المشاهدة الكاملة.
ليست هذه أول مرة تدخل فيها نتفليكس إلى عالم الفيديوهات القصيرة. ففي عام 2021، أطلقت ميزة “ضحكات سريعة” (Fast Laughs)، التي عرضت مقاطع كوميدية قصيرة بطريقة تشبه TikTok، لكنها بقيت محدودة من حيث الجمهور والتأثير.
أما الآن، فتسعى المنصة لتوسيع التجربة لتشمل كافة أنواع المحتوى — دراما، أكشن، وثائقيات، وحتى عروض الواقع. هذا التنوع قد يكون عاملًا فارقًا في جذب شرائح مختلفة من الجمهور، خصوصًا المستخدمين الشباب الذين اعتادوا على استهلاك المحتوى عبر تمرير سريع ومقاطع قصيرة لا تتعدى الدقيقة.
تحوّلات تقنية: واجهات ذكية وتجربة استخدام محدثة
بالتزامن مع إطلاق الميزة الجديدة، أعلنت نتفليكس عن تحديثات مهمة في تصميم واجهة تطبيقها على أجهزة التلفزيون، بما في ذلك:
- نقل اختصارات رئيسية مثل “البحث” و”قائمتي” إلى أعلى الشاشة، لتكون أكثر وضوحًا وسهولة في الاستخدام.
- إضافة شارات جديدة بجانب العناوين، توضح ما إذا كان المحتوى حائزًا على جوائز (مثل إيمي أو أوسكار)، أو ينتمي إلى نوع معين (كالأعمال الوثائقية أو الدراما الحقيقية).
- تعزيز نظام التوصيات ليعمل في الزمن الحقيقي، مستندًا إلى تفاعلات المستخدم الفورية مثل مشاهدة مقاطع دعائية، أو البحث عن ممثل، أو التفاعل مع نوع معين من القصص.
هذه التعديلات تشير إلى محاولات جادة من نتفليكس لجعل التجربة أكثر تخصيصًا وديناميكية — لا سيما في ظل المنافسة الشرسة من منصات تبني تقنيات توصية قوية مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
لماذا الفيديوهات القصيرة؟
بات من المعروف أن مستخدمي الهواتف الذكية، خصوصًا من جيل الألفية والجيل Z، يفضّلون المحتوى القصير الذي يُقدَّم في شكل عمودي وسهل التمرير. وتُظهر دراسات السوق أن هذه الفئة تمضي وقتًا أطول على TikTok وYouTube Shorts وInstagram Reels مقارنة بمنصات البث التقليدية.
ومن هنا، فإن تبني نتفليكس لهذا النمط من المحتوى ليس مجرد تجربة جانبية، بل استجابة مباشرة لتغيّر عادات الاستهلاك العالمي. فالمنصة تدرك أن الترفيه لم يعد يُستهلك بالضرورة في شكل جلسات مطوّلة، بل عبر لحظات قصيرة، متناثرة، ومليئة بالإلهاء — وهنا يكمن التحدي: كيف تحافظ على عمق المحتوى في عصر السطحية؟
مستقبل المنافسة: هل تتغيّر طبيعة المشاهدة؟
مع دخول منصات مثل Tubi وPeacock إلى مجال الفيديوهات القصيرة، لم تعد نتفليكس وحدها في هذا المسار. والسؤال الأكبر الآن: هل نرى تحوّلًا في جوهر منصات البث نفسها؟
في الماضي، كانت نتفليكس تتفاخر بأنها البديل النقي عن التلفزيون التقليدي والإعلانات التجارية. أما اليوم، فهي تسعى لاقتناص انتباه نفس الجمهور الذي يستهلك المحتوى في ثوانٍ، وتنافِس المنصات التي كانت تعتبرها سطحية أو ترفيهية بحتة.
التحوّل إلى مقاطع قصيرة لا يعني فقط تغييرًا في الشكل، بل هو أيضًا مؤشر على انفتاح نتفليكس على تجارب إعلامية مختلفة، وأقل “نخبوية” مما بدأت به. وإذا نجحت هذه التجربة، فقد يصبح التطبيق نفسه أشبه بمنصة مزدوجة: طويلة وقصيرة، فنية وتجارية، مسلسلية وفورية.
الميزة الجديدة ليست مجرد تحديث تقني، بل تعكس اتجاهًا أعمق: إدراك نتفليكس أن الحفاظ على موقعها في قلب صناعة الترفيه الرقمي يتطلب أكثر من إنتاج المسلسلات الكبرى، بل استيعاب تغيّر السلوك البشري نفسه.
وبينما تسعى الشركة للحفاظ على جمهورها التقليدي من عشاق المحتوى الطويل، فهي في الوقت ذاته تخوض مغامرة في عالم الفيديو القصير — عالم سريع، تنافسي، ومليء بالتقلبات.
يبقى أن نرى إن كانت هذه الخطوة تكتيكًا مؤقتًا، أم تحوّلًا استراتيجيًا طويل الأمد، يعيد تشكيل طبيعة علاقتنا مع أكبر منصة بث في العالم.