آخر الأخبار
فيزا تراهن على مستقبل التجارة بوكلاء ذكاء اصطناعي يتسوقون نيابةً عن المستخدمين

في تحول استراتيجي كبير، كشفت شركة “فيزا” العالمية لخدمات الدفع عن مشروع طموح يتمثل في تطوير “وكلاء ذكاء اصطناعي” قادرين على القيام بمهام التسوق الإلكتروني بشكل مستقل نيابةً عن المستخدمين، باستخدام معلومات بطاقاتهم البنكية وتفضيلاتهم الشخصية.
يأتي هذا الإعلان في وقت بدأت فيه صناعة الذكاء الاصطناعي بالانتقال من التركيز على النماذج اللغوية الضخمة مثل ChatGPT وClaude، إلى تطوير أنظمة أكثر تطبيقية وواقعية تُعرف باسم “وكلاء الذكاء الاصطناعي” (AI Agents). هذه البرمجيات ليست مجرد أدوات مساعدة، بل يُفترض بها أن تكون كيانات رقمية مستقلة قادرة على أداء مهام معقدة وفقاً لتعليمات وتفضيلات مسبقة من المستخدم.
وتطمح فيزا من خلال هذا المشروع إلى إحداث تحول جذري في تجربة التجارة الإلكترونية. الفكرة بسيطة من حيث المفهوم لكنها ثورية في آثارها: كمستخدم، ستقوم بتحديد ميزانية معينة، إلى جانب تفضيلاتك العامة – مثل نوع المنتجات، العلامات التجارية المفضلة، معايير الجودة أو السعر – ثم تُوكل هذه المهمة إلى وكيل الذكاء الاصطناعي الخاص بك، ليقوم بالبحث، والمقارنة، ثم اتخاذ قرار الشراء دون الحاجة لتدخلك المباشر.
التعاون مع عمالقة التكنولوجيا
في سبيل إنجاح هذه المبادرة، أعلنت فيزا عن تعاونها مع مجموعة من أبرز مطوري الذكاء الاصطناعي حول العالم، من بينهم OpenAI (المطورة لـ ChatGPT)، وAnthropic (المطورة لـ Claude)، بالإضافة إلى Microsoft، وPerplexity، وMistral الفرنسية. كذلك، تتعاون فيزا مع شركات تكنولوجيا وبنية تحتية مثل IBM، ومنصات دفع إلكتروني مثل Stripe، وحتى شركة سامسونج العملاقة في مجال الإلكترونيات.
وقد بدأت الشركة بالفعل في تنفيذ مشاريع تجريبية مشتركة مع هذه الأطراف منذ الأمس، استعداداً لتوسيع الاستخدام تدريجياً خلال العام المقبل.
أزمة الثقة: التحدي الأكبر
ورغم الإمكانيات الهائلة التي يحملها هذا المفهوم الجديد، إلا أن المشروع يواجه تحديات جدية، وعلى رأسها أزمة الثقة. ففكرة منح صلاحية الوصول إلى بطاقتك البنكية لوكيل ذكي غير بشري ما تزال تثير القلق لدى كثير من المستخدمين. المخاوف تتراوح بين القرارات الخاطئة التي قد يتخذها الوكيل، إلى الاختراقات الأمنية المحتملة، أو حتى التلاعب الخفي بالتفضيلات بهدف توجيه عمليات الشراء نحو علامات تجارية معينة.
وقد علّق جاك فورستل، كبير مسؤولي المنتج والاستراتيجية في شركة فيزا، في مقابلة حديثة قائلاً:
“نحن نؤمن بأن هذه التقنية يمكن أن تكون ذات أثر تحويلي حقيقي. بل نعتقد أن لها القدرة على إعادة تشكيل التجارة الإلكترونية بنفس العمق الذي أحدثه ظهور الإنترنت نفسه.”
غياب أسماء كبرى.. مؤشر على تغيير محتمل في السوق
من المثير للانتباه أن بعض الأسماء الكبرى في عالم التجارة الإلكترونية مثل Google وAmazon لم تظهر في قائمة الشركاء لهذه المبادرة. ويُعتقد أن غيابهم ليس مجرد مصادفة، بل قد يكون مؤشراً على محاولة فيزا كسر الهيمنة التقليدية لهؤلاء اللاعبين من خلال تقديم بدائل قائمة على الذكاء الاصطناعي، تدعم الشركات الأصغر وتمكّنها من المنافسة بطرق جديدة.
في الواقع، قد تؤدي هذه الوكلاء إلى تحوّل في القوة السوقية، حيث يمكن للمستخدمين مستقبلاً أن يتعاملوا مع واجهات موحدة مستقلة (وكلاؤهم)، بدلاً من البحث والشراء يدوياً من مواقع متعددة يهيمن عليها عمالقة السوق.
مستقبل بطاقات الائتمان في عصر الذكاء الاصطناعي
تشهد بطاقات الائتمان تحوّلاً جذرياً بالفعل، إذ باتت تُستخدم بشكل أساسي كجزء من المحافظ الرقمية (مثل Apple Pay وGoogle Pay) بدلاً من كونها منتجاً مادياً يتم تمريره في نقاط البيع. ومع دخول وكلاء الذكاء الاصطناعي إلى هذا المجال، يصبح من المتوقع أن تتحول هذه البطاقات إلى “أدوات دفع ذكية” تُدار من قبل وكلاء مبرمجين لتنفيذ رغبات المستخدم بأقل جهد ممكن منه.
رغم ذلك، يُتوقع أن تكون هناك مرحلة أولى من التجربة مليئة بالتحديات، حيث قد تتسبب بعض القرارات التي يتخذها الوكلاء في إشكالات مالية أو عملية، ما سيجعل من الضروري تحسين خوارزميات اتخاذ القرار، وبناء آليات رقابة وتدقيق دقيقة تعزز ثقة المستخدمين بهذه التقنية.
تحاول فيزا أن تعيد تعريف العلاقة بين المستهلك، والتجارة الإلكترونية، والمدفوعات، من خلال الدمج بين تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة والبنية التحتية المالية. ورغم أن المشروع لا يزال في مراحله التجريبية، إلا أنه يعكس اتجاهاً جديداً قد يُحدث ثورة في الطريقة التي نتسوق بها، ومن يشتري لنا، وما إذا كنا نحتاج فعلاً إلى “الضغط على زر” لنقوم بعملية الشراء.