آخر الأخبار
إدارة ترامب تقترح خفضًا تاريخيًا في ميزانية “ناسا” لعام 2026

في خطوة مثيرة للجدل قد تُعيد رسم ملامح أولويات الفضاء الأمريكية لعقود قادمة، اقترحت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خفضًا كبيرًا في ميزانية وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” لعام 2026، بنسبة تصل إلى 25٪ من إجمالي ميزانية الوكالة، بما يعادل عشرات المليارات من الدولارات.
يهدف هذا التحول المالي الجذري إلى إعادة تركيز أنشطة ناسا على أهداف استكشاف القمر والمريخ، مع تقليص أو إلغاء العديد من البرامج العلمية والتعليمية والبيئية التي شكلت، لعقود، حجر الزاوية في الدور الريادي للوكالة.
تقليص وجود محطة الفضاء الدولية
وفقًا للمقترح، سيتم خفض 508 ملايين دولار من ميزانية محطة الفضاء الدولية (ISS)، وهو ما سيؤثر مباشرة على عدد أفراد الطاقم، وتنوع الأبحاث المنفذة على متنها، ويحد من قدرتها على دعم البحث العلمي المستقل.
وبدلًا من ذلك، سيتم توجيه استخدام المحطة نحو خدمة أهداف بعيدة المدى مثل الهبوط على القمر وإرسال البشر إلى المريخ، بما يتماشى مع أولويات إدارة ترامب الفضائية.
إلغاء بعثات علمية كبرى: ضربة للبحث الفضائي
واحدة من أكثر النقاط إثارة للقلق هي تخفيض 2.265 مليار دولار من مخصصات بعثات علوم الفضاء. وتشمل هذه التخفيضات إلغاء مهمة إعادة عينات المريخ (Mars Sample Return)، التي كانت تمثل حجر الأساس في مشروع فهم تاريخ الكوكب الأحمر واحتمالية وجود حياة عليه.
وتعتبر هذه المهمة العلمية من أعقد وأهم المهام في تاريخ استكشاف المريخ، وكان يُفترض أن تُكملها وكالة ناسا بالتعاون مع وكالة الفضاء الأوروبية. إلا أن المقترح ينقل أهداف المهمة إلى “رحلات مأهولة مستقبلية”، مما يعني إلغاء المرحلة غير المأهولة منها مؤقتًا أو دائمًا.
توجه نحو الخصخصة: SpaceX وBlue Origin في الواجهة
يتضمن المقترح أيضًا إيقاف العمل بصاروخ SLS وكبسولة Orion بعد إتمام مهمة Artemis III (أول هبوط بشري على سطح القمر ضمن برنامج أرتميس). وتُعد هذه المنظومات من أكثر المشاريع التي استثمرت فيها ناسا خلال العقد الأخير، ولكن المقترح يشير إلى نقل المسؤوليات المستقبلية إلى القطاع الخاص.
من المتوقع أن تستفيد شركات مثل سبيس إكس (SpaceX) وبلو أوريجين (Blue Origin) من هذا التحول، خاصة وأن صاروخ Starship الخاص بإيلون ماسك، وصاروخ New Glenn من جيف بيزوس، يمثلان بدائل تجارية واعدة لإطلاق المهمات الفضائية.
كذلك يقترح المشروع إلغاء محطة Lunar Gateway، وهي محطة فضائية صغيرة كانت ستدور حول القمر، وتُستخدم كنقطة انطلاق لبعثات استكشاف أعمق، مما يعكس تخليًا عن الاستراتيجية طويلة المدى لاستيطان القمر.
علاقة ترامب – ماسك: مصالح متقاطعة؟
توجه الميزانية المقترحة انتقادات لاذعة في الأوساط السياسية والعلمية، خاصة وأن بعض التحليلات تشير إلى علاقة غير واضحة بين ترامب وإيلون ماسك. فبينما لم يعلن ماسك دعمه الرسمي لترامب، إلا أن تصريحاته السابقة عن الحاجة إلى “إدارة تدعم الابتكار التجاري” تُفسرها بعض الجهات على أنها دعم ضمني.
ويرى مراقبون أن استبعاد المشاريع الحكومية الكبرى لصالح شركات خاصة يفتح الباب أمام اتهامات بتضارب المصالح وتسييس قرارات علمية ينبغي أن تُبنى على أساس الجدوى والكفاءة لا الاعتبارات الانتخابية أو الشخصية.
خفض كبير في برامج المناخ والتعليم
بعيدًا عن الفضاء العميق، يشمل المقترح خفضًا قدره 1.161 مليار دولار من مخصصات علوم الأرض، ما يؤدي إلى إلغاء عدة أقمار صناعية لرصد التغير المناخي، في وقت يواجه فيه العالم تحديات بيئية غير مسبوقة.
كما يشمل إلغاء 346 مليون دولار كانت مخصصة لأبحاث الطيران منخفض الانبعاثات، وتخفيض 143 مليون دولار من برامج تعليم العلوم (STEM)، ما قد يقوض جهود الولايات المتحدة في تأهيل أجيال جديدة من العلماء والمهندسين.
قال كيسي دراير، مدير السياسات في “الجمعية الكوكبية” (Planetary Society):
“إنها أكبر عملية تقليص في تاريخ ناسا، وتُرسل رسالة واضحة بأن الولايات المتحدة لم تعد مهتمة بقيادة العالم في مجال الفضاء”.
من جهته، أوضح راسل فوت، مدير مكتب الميزانية في البيت الأبيض، أن الخطة تمثل “مقترحًا أوليًا” لخريطة التمويل، سيتم إرسالها إلى الكونغرس الأميركي لاحقًا للمناقشة والإقرار النهائي.
ملخص التخفيضات الرئيسية:
تسعى إدارة ترامب إلى توجيه مسار ناسا نحو تحقيق إنجازات رمزية في استكشاف الفضاء، لكن هذا يأتي على حساب دور الوكالة في البحث العلمي، وحماية البيئة، والتعليم العام وفي حال أُقرت هذه التغييرات من قِبل الكونغرس، فإنها ستُمثل تحولًا بنيويًا في فلسفة الفضاء الأمريكية، تنقلها من مؤسسة بحثية مستقلة إلى ذراع تنفيذية تُعتمد على القطاع الخاص، وتخضع في أولوياتها للضغوط السياسية والاقتصادية.