آخر الأخبار
غوغل تبتكر روبوتًا ذكيًا يتفوق على البشر في أصعب مهام ماينكرافت

في قلب إحدى أبرز مختبرات التكنولوجيا في العالم، كان هناك فريق من العلماء والباحثين يعملون على مشروع يبدو في البداية وكأنه مستوحى من أفلام الخيال العلمي. كانوا في غمار مغامرة غير مسبوقة، حيث قرروا استخدام لعبة Minecraft الشهيرة لتدريب نموذج ذكاء اصطناعي يمكنه تعلم المهام المعقدة دون أي مساعدة بشرية. وهذا النموذج، الذي كان يُدعى Dreamer، ليس مجرد روبوت عادي. كان هدف الفريق ليس فقط جعل Dreamer يتقن لعبة الفيديو، بل أن يتعلم بشكل مستقل تمامًا، كما يتعلم الإنسان.
تعاون فريق DeepMind التابع لغوغل مع جامعة تورنتو في هذا المشروع الطموح. وكانت الفكرة في غاية البساطة في ظاهرها: جعل Dreamer يتعلم اللعبة من الصفر، في فترة قصيرة من الزمن، دون أي تدخل من البشر أو بيانات تدريب مسبقة. على الرغم من أن ذلك قد يبدو مستحيلاً، إلا أن Dreamer أظهر قدرة مذهلة على استيعاب اللعبة وإتقانها في وقت قياسي بلغ تسعة أيام فقط.
تحديات بيئة Minecraft والتعلم الذاتي
من اللحظة التي بدأ فيها Dreamer مهمته، واجهته بيئة مليئة بالتحديات. لكن بدلاً من أن يقدم له الفريق أي تعليمات أو إرشادات، تم تصميم بيئة Minecraft بطريقة خاصة. كل 30 دقيقة، كانت البيئة تتغير بشكل عشوائي، مما جعل من الصعب على Dreamer التكيف بسرعة. لكن على الرغم من هذه الصعوبات، بدأ Dreamer في أداء مهامه الموكلة إليه، مثل جمع الماس، بسرعة ودقة. في نهاية التجربة، كان قد أصبح قادرًا على جمع الماس في أقل من 30 دقيقة، وهو إنجاز يعادل أداء أي لاعب بشري متمرس في اللعبة.
تخيل المستقبل: كيف يفكر Dreamer؟
لكن ما الذي جعل Dreamer مميزًا حقًا؟ يكمن السر في قدرته على “تخيل المستقبل”. بدلاً من أن يعتمد فقط على ردود الفعل اللحظية، بدأ Dreamer في بناء نموذج ذهني لبيئته. كان يستطيع محاكاة السيناريوهات المستقبلية في عقله الرقمي قبل أن يتخذ أي خطوة، وبذلك كان بإمكانه تجربة استراتيجيات مختلفة واختيار الأنسب بينها. كانت هذه القدرة على “التخيل” مفتاح نجاحه، مما جعله قادرًا على تحسين أدائه بشكل مستقل ودون أي تدخل بشري.
في هذا الصدد، يقول دانيار هافنر، الباحث في غوغل: “تخيل المستقبل هو أمر ليس فقط مقتصرًا على الألعاب. هو جوهر الفكرة التي يمكن أن تحسن تقنيات الذكاء الاصطناعي في العالم الحقيقي”. هذا يُشبه تمامًا طريقة تعلم البشر للمهارات؛ من خلال التجربة والخطأ، يدرك Dreamer ما هو الأكثر فاعلية ويتجاهل غير المفيد.
التعلم الذاتي: خوارزمية غير مسبوقة
والأهم من ذلك، هو أن Dreamer كان أول نموذج ذكاء اصطناعي يمكنه إتمام مهمة معقدة مثل جمع الماس في Minecraft من الصفر، دون أي تدريب مسبق أو بيانات بشرية. في تقرير الفريق، تم الإعلان عن أن هذه الخوارزمية هي الأولى من نوعها التي تتيح للذكاء الاصطناعي تعلم المهام بشكل ذاتي تمامًا. ولم تكن هذه الخوارزمية مجرد تحسين داخل عالم الألعاب، بل فتحت المجال أمام تطبيقات غير مسبوقة في مجالات أخرى مثل صناعة الروبوتات، الأنظمة الذكية، وحتى الرعاية الصحية.
الآفاق المستقبلية: كيف يمكن لهذه التكنولوجيا تغيير العالم؟
على الرغم من أن Dreamer قد تم تدريبه على لعبة Minecraft، إلا أن التكنولوجيا التي تم تطويرها لا تقتصر على الألعاب فقط. ما تعلمه Dreamer حول كيفية التفاعل مع بيئته والتكيف معها يمكن أن يكون له تطبيقات عملية في العديد من المجالات الأخرى. من صناعة الروبوتات الذكية التي تتفاعل بذكاء مع محيطها، إلى تطبيقات في مجال النقل الذكي والرعاية الصحية. القدرة على “تخيل المستقبل” هي ما يمكن أن يحدث تغييرًا جوهريًا في الطريقة التي يعمل بها الذكاء الاصطناعي في العالم الحقيقي.
كما اختتم دانيار هافنر حديثه قائلاً: “القدرة على تخيل المستقبل ليست مجرد ميزة في الألعاب. هي أساس يمكن أن يُفضي إلى تطور تقنيات أكثر ذكاء وكفاءة في الحياة اليومية”. وهذا يعني أن Dreamer ليس مجرد تجربة فنية رائعة في لعبة فيديو، بل هو نموذج لثورة تكنولوجية قد تغير مجرى الحياة كما نعرفها.
الذكاء الاصطناعي في أيدٍ قادرة على تغيير العالم
ما حدث مع Dreamer هو مجرد بداية لما يمكن أن نراه في المستقبل. مع تقدم الذكاء الاصطناعي، أصبحنا نشهد تطورات تجعل الروبوتات قادرة على التعلم والتكيف بشكل مستقل. سواء كانت في الألعاب أو في الحياة الواقعية، فإن قدرة Dreamer على “تخيل المستقبل” يمكن أن تكون بداية لحقبة جديدة من التفاعل الذكي بين الإنسان والآلة، حيث تبدأ الروبوتات في أخذ قرارات بنفسها، وتحسين مهامها وفقًا لاحتياجات البيئة التي تعمل فيها.
الذكاء الاصطناعي، اليوم، لم يعد مجرد أداة تُستخدم في مهام محدودة. إنه يصبح شريكًا في التفكير والتعلم، ومع مرور الوقت، قد يفتح لنا آفاقًا جديدة لم نكن نتخيلها من قبل.