آخر الأخبار
إيلون ماسك يؤكد التزامه بقيادة تسلا لخمسة أعوام مقبلة

في تصريح قد يحمل دلالات استراتيجية عميقة تتجاوز مجرد الرد على استفسار صحفي، أعلن رجل الأعمال والملياردير الأميركي إيلون ماسك أنه يعتزم البقاء في منصب الرئيس التنفيذي لشركة تسلا لمدة خمس سنوات قادمة على الأقل، في وقت تواجه فيه الشركة ضغوطًا متصاعدة على عدة مستويات، سواء من المستثمرين أو المنافسين أو حتى المناخ السياسي العام.
جاء هذا الإعلان خلال مشاركة ماسك، عبر تقنية الفيديو، في جلسة من جلسات منتدى قطر الاقتصادي 2025، الذي تنظمه وكالة “بلومبرغ” بمشاركة نخبة من قادة الأعمال وصناع القرار والخبراء الاقتصاديين حول العالم، في العاصمة القطرية الدوحة.
تصريح مباشر ونبرة ساخرة
عندما طُرح عليه السؤال حول مستقبله في “تسلا”، أجاب ماسك، المعروف بصراحته المتناهية، بإجابة مقتضبة:
“نعم.”
ثم تابع المحاور بالسؤال الاستفهامي المعتاد:
“هل أنت متأكد؟ لا مجال للشك؟”
فأجاب ماسك بابتسامة ساخرة:
“لا يمكنني البقاء هنا إذا كنت ميتًا.”
على الرغم من روح الدعابة التي غلفت الجواب، فإن رسالته كانت واضحة جدًا: ماسك لا ينوي مغادرة تسلا في المستقبل القريب، بل يرى نفسه مسؤولًا عن قيادة المرحلة القادمة، التي قد تكون من أكثر المراحل حساسية في تاريخ الشركة.
أداء متذبذب وضغوط من المستثمرين
تأتي هذه التصريحات في وقت عصيب تمر به الشركة. فخلال الربع الأول من عام 2025، شهد سهم “تسلا” انخفاضًا كبيرًا تجاوز 12%، مدفوعًا بعوامل عدة، من بينها:
- انخفاض المبيعات في السوق الأميركية والصينية.
- تأخر في إنتاج موديلات جديدة من السيارات.
- التحديات المستمرة في سلسلة التوريد.
- صعود منافسين أقوياء، خصوصًا من الصين مثل BYD وNIO.
- انشغال ماسك بمشاريع أخرى، ما أثار قلق بعض المستثمرين بشأن تراجع تركيزه على “تسلا”.
عدد من المستثمرين البارزين طالبوا مجلس إدارة الشركة بضرورة إعادة النظر في توزيع الأدوار، وربما التفكير في تعيين رئيس تنفيذي جديد أكثر تفرغًا، بينما يرى آخرون أن استمرار ماسك هو الضمان الوحيد لبقاء “تسلا” في الطليعة التكنولوجية.
في ردوده خلال المنتدى، أوضح ماسك أن السبب الرئيسي وراء تمسكه بمنصبه ليس فقط “الإدارة”، بل أيضًا الرغبة في الاحتفاظ بسيطرة تصويتية داخل الشركة، وهو ما يُمكّنه من منع أي تحالف من المستثمرين من الإطاحة به أو تعديل مسار الشركة بشكل لا يتوافق مع رؤيته.
قال ماسك:
“أريد الحفاظ على حصة تصويتية تمنحني القدرة على حماية مستقبل الشركة من التغييرات الجذرية غير المدروسة.”
وتعكس هذه التصريحات توترًا دفينًا بين المبادئ التقليدية لحوكمة الشركات والمقاربة الريادية التي يتبناها ماسك، والتي تقوم على الرؤية الشخصية والقرارات الجريئة والمخاطرة العالية.
موقعه في المشهد السياسي وتأثيره على العلامة التجارية
لم يعد إيلون ماسك مجرد رجل أعمال. فخلال السنوات الأخيرة، وبالأخص منذ استحواذه على منصة “إكس” (Twitter سابقًا)، أصبح شخصية سياسية مثيرة للجدل.
ارتبط اسمه بمواقف يمينية، وانتقادات حادة للحكومة الأميركية، ودعم غير مباشر للرئيس السابق دونالد ترامب. كما تم تعيينه سابقًا كمستشار غير رسمي في “مجلس الكفاءة الحكومية”، الذي كان يهدف إلى إعادة هيكلة الإنفاق الحكومي الفيدرالي.
هذا التورط السياسي ألقى بظلاله على “تسلا”، التي كانت تُعرف سابقًا كشركة صديقة للبيئة وتتمتع بقاعدة جماهيرية متنوعة سياسيًا.
وقد اندلعت احتجاجات ومقاطعات محدودة في عدد من الولايات الأميركية، إضافة إلى تعرض معارض الشركة للتخريب أو الاحتجاج، في مشهد لم يكن مألوفًا في تاريخ الشركة.
وسُئل ماسك خلال المنتدى إن كان يتأثر بالردود السلبية على نشاطه السياسي، فأجاب دون تردد:
“نعم، آخذ ذلك على محمل شخصي.”
تسلا وموقعها في سوق متغير عالميًا
في ظل التحول العالمي نحو السيارات الكهربائية، لم تعد تسلا اللاعب الوحيد. فشركات مثل BYD وXPeng وLucid وRivian وحتى Ford وVolkswagen ضاعفت استثماراتها في هذا القطاع.
وفي الصين، أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم، بدأت “تسلا” تفقد جزءًا من حصتها لصالح الشركات المحلية، وهو ما يفرض تحديات استراتيجية تتطلب تفرغًا إداريًا على أعلى مستوى.
لكن ماسك، رغم هذه الضغوط، يصر على المضي قدمًا، ويتعامل مع هذه المرحلة باعتبارها فرصة للابتكار والتمدد لا الانكماش.
ضمن حديثه، أشار ماسك إلى مشروع “ستارلينك” خدمة الإنترنت الفضائي التي تُدار حاليًا عبر شركته “سبيس إكس” وقال إنها قد تُطرح لاحقًا كشركة مستقلة عامة عبر اكتتاب عام.
وأضاف أن “ستارلينك” تلعب دورًا محوريًا في مستقبل الاتصال العالمي، خاصة في المناطق النائية، ما يجعلها مرشحة لتكون أحد أكبر مشاريع البنية التحتية الرقمية في العالم.
ومن جهة أخرى، لا تزال “نيورالينك”، الشركة المتخصصة في ربط الدماغ البشري بالحواسيب، تمثل حلم ماسك في الدمج بين الذكاء البيولوجي والذكاء الاصطناعي.
تحليل ختامي: رجل واحد، إمبراطورية ممتدة، وأسئلة بلا إجابات
تصريحات ماسك لا تجيب فقط عن سؤال صحفي، بل تكشف عن صراع أكبر بين:
- رؤية فردية طموحة غير قابلة للحدود
- وعالم مؤسسي يتطلب شفافية وتوزيع مسؤوليات واضح
وفي ظل هذه المعادلة المعقدة، يبقى السؤال:
هل يستطيع ماسك أن يدير إمبراطورية متعددة الرؤوس دون أن تنهار إحدى دعائمها؟
ما هو مؤكد أن السنوات الخمس المقبلة ستكون الأكثر حسمًا في مسيرة تسلا، وستشكل إجابة عملية على سؤال القيادة والرؤية والقدرة على التكيف.