تخزين الطاقة المستدام: كيف تُحدث بطاريات السيارات الكهربائية فرقًا؟

تتصاعد الدعوات في عدد من الدول الأوروبية لتوسيع نطاق استخدام بطاريات السيارات الكهربائية، ليس فقط كوسيلة للنقل المستدام، بل كمصدر حيوي ومرن لتخزين الطاقة ودعم استقرار الشبكات الكهربائية، وذلك من خلال تقنية مبتكرة تُعرف باسم “من المركبة إلى الشبكة” أو V2G (Vehicle-to-Grid).

وتقوم هذه التقنية على مبدأ بسيط وفعّال: استخدام بطاريات السيارات الكهربائية في تخزين الكهرباء الزائدة من مصادر الطاقة المتجددة، مثل الشمس والرياح، في أوقات ذروة الإنتاج، ثم إعادة ضخ هذه الكهرباء إلى الشبكة في فترات انخفاض التوليد أو ارتفاع الطلب. وبذلك تتحول السيارة الكهربائية من مجرد وسيلة نقل إلى وحدة تخزين طاقة متنقلة، تُسهم في تحقيق توازن بين العرض والطلب داخل الشبكة، وتُعزّز أمن الطاقة.

إيطاليا تتصدّر الدعوات الصناعية

تتركّز أبرز الدعوات الحالية لتبنّي هذه التقنية في إيطاليا، حيث يقود ممثلو الصناعة هذه الحملة، بحسب ما أوردته منصة الطاقة المتخصصة التي تتخذ من واشنطن مقرًا لها. ويؤكّد هؤلاء أن الوقت قد حان لتفعيل الإمكانات الكامنة في بطاريات السيارات الكهربائية، لاسيّما في ظل التوسع المتسارع في إنتاج الطاقة المتجددة، والحاجة المُلِحّة إلى تخزين فعّال وذكي لتلك الطاقة.

دعم للشبكات وتقليل الضغط على البنية التحتية

يرى المؤيدون لتقنية V2G أن الاستفادة من بطاريات السيارات الكهربائية يُمكن أن يُحدث تحولًا جوهريًا في البنية التحتية للطاقة في أوروبا. إذ يمكن لتلك البطاريات امتصاص فائض الكهرباء عند الإنتاج المرتفع، وتغذية الشبكة مجددًا خلال فترات النقص، ما يقلّل الحاجة إلى استثمارات ضخمة في بناء محطات تخزين ثابتة أو تطوير الشبكات.

ويُشير هيربرت ديز، الرئيس التنفيذي السابق لشركة فولكسفاغن الألمانية وأحد أبرز المتخصصين في هذا المجال، إلى أن “السيارة تُستخدم في المتوسط لمدة ساعة واحدة يوميًا فقط، ما يعني أن بطاريتها – وهي الجزء الأعلى تكلفة في السيارة – تبقى غير مستغلة لفترات طويلة. ومن هنا تبرز فائدة تحويلها إلى وحدة تخزين طاقة متكاملة تُفيد المستخدم والشبكة في آن واحد”.

تجربة أولى ناجحة.. واهتمام متزايد من العملاء

كشف ديز أن تجربة أولى لتقنية “من المركبة إلى الشبكة” نُفّذت بنجاح، حيث شارك أكثر من 500 عميل في إدخال تقنية الشحن المزدوج لمركباتهم، مما مكّنهم من تبادل الكهرباء مع الشبكة حسب الحاجة. كما أشار إلى أن سيارات مثل “رينو 5” باتت تدعم هذه التقنية بشكل مدمج، وأن الإقبال على هذا النوع من السيارات في تزايد مستمر.

وقال ديز: “تُقدّم هذه التقنية فوائد ملموسة ليس فقط على مستوى الشبكة، بل أيضًا لأصحاب السيارات أنفسهم، الذين يمكنهم الاحتفاظ بسياراتهم موصولة بالشحن طوال فترات التوقّف، والاستفادة من شحن مجاني تقريبًا، بل وربما تحقيق دخل مادي من إعادة بيع الكهرباء”.

تحديات تشريعية وتنظيمية

رغم الجاهزية التقنية لتطبيق V2G على نطاق واسع، إلا أن العقبة الأبرز تكمن في غياب التشريعات الموحدة والمعايير التنظيمية في عدد من الدول الأوروبية. ففي ألمانيا على سبيل المثال، تُواجه هذه التقنية عقبة “الازدواج الضريبي”، حيث تُفرض ضرائب مزدوجة على الكهرباء المتبادلة بين السيارة والشبكة.

وفي هذا السياق، قال ديز: “نحن اليوم بحاجة ماسّة إلى تحرّك من المشرّعين لتفعيل القوانين، وإنشاء نماذج أعمال وشراكات تدعم انتشار هذه التقنية. البنية التحتية موجودة، والتقنية جاهزة، وما تبقّى هو الإطار القانوني والتنظيمي”.

قفزة في مبيعات السيارات الكهربائية

تترافق هذه التطورات مع نمو كبير في سوق السيارات الكهربائية في أوروبا. ووفق ما أكّده كريس هيرون، الأمين العام لمنظمة “إي-موبيليتي أوروبا”، فإن الطلب على هذه السيارات ارتفع بنسبة 30% خلال الأشهر الأولى من عام 2025، مدفوعًا بسياسات حكومية صارمة للحد من الانبعاثات، والتزام المصنّعين الأوروبيين بمعايير الكربون الجديدة.

كما أشار هيرون إلى أن السوق الأوروبية تشهد حاليًا إطلاق ما يصل إلى 12 طرازًا جديدًا من السيارات الكهربائية بأسعار تقلّ عن 25 ألف يورو (نحو 28 ألف دولار أمريكي)، ما يجعل امتلاك سيارة كهربائية خيارًا في متناول شريحة أوسع من المستهلكين، ويُمهّد الطريق أمام اعتماد واسع لتقنية V2G.

في ظل التحديات التي تواجه مصادر الطاقة المتجددة، وخاصة تقلبات التوليد الناتجة عن تغير الطقس، يُمثل تخزين الطاقة أحد المحاور الرئيسة لتحقيق أمن الطاقة والتحوّل إلى أنظمة طاقة خضراء. ورغم الجهود القائمة لتطوير تقنيات التخزين الثابت، إلا أن السعة الحالية لا تزال محدودة، ولا يمكنها وحدها تلبية متطلبات الاستقرار الطاقي.

لذلك، يُنظر إلى تقنية “من المركبة إلى الشبكة” باعتبارها حلاً مبتكرًا وعمليًا يُسهم في سد هذه الفجوة، ويُحوّل ملايين السيارات الكهربائية في الشوارع الأوروبية إلى وحدات تخزين مرنة ومتنقلة.