أبوظبي تحلق نحو المستقبل: نجاح أول توصيل بالدرونز في العاصمة

في لحظة تُجسّد طموح دولة الإمارات العربية المتحدة في ترسيخ مكانتها كقوة عالمية في مجال الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة، شهدت إمارة أبوظبي أول تجربة ناجحة لتوصيل الطرود باستخدام الطائرات المسيّرة (الدرونز)، في إنجاز يُعد من أبرز خطوات التحول نحو اعتماد حلول النقل الجوي الذكي ضمن مشهد الخدمات اللوجستية الحديثة.

هذا المشروع الرائد نُفّذ من خلال تعاون ثلاثي بين شركة LODD، المتخصصة في تطوير حلول الطيران الذكي، ومجموعة 7X الاستثمارية القابضة، التي تملك شركة EMX المتخصصة بالنقل والخدمات اللوجستية، وبمشاركة فاعلة من الجهات الحكومية التنظيمية ذات الصلة، بما في ذلك الهيئة العامة للطيران المدني، ومركز النقل المتكامل، وتحت إشراف مباشر من مكتب أبوظبي للاستثمار، ضمن بيئة مجمع صناعة المركبات الذكية والذاتية القيادة (SAVI)، الذي يمثّل حاضنة حيوية لمشاريع الابتكار التكنولوجي المتقدمة في قطاع النقل.

تشير هذه التجربة إلى تحول محوري في قطاع الخدمات اللوجستية، حيث ينتقل هذا القطاع تدريجيًا من الاعتماد الكامل على الوسائل الأرضية إلى حلول جوية متقدمة تُحقق الكفاءة والسرعة والاستدامة. وتتماشى هذه الخطوة النوعية مع رؤية حكومة أبوظبي لتطوير منظومة متكاملة من التنقل الذكي والمستدام، تسهم في رفع مستوى الخدمات وتحسين جودة الحياة، وتدفع عجلة الاقتصاد المعرفي.

من خلال هذا المشروع، تؤكد أبوظبي على التزامها بدعم الشراكات الاستراتيجية بين القطاعين العام والخاص، باعتبارها محركًا رئيسيًا في تطوير قطاعات المستقبل، ووسيلة فاعلة لتحويل الأفكار التقنية إلى واقع ملموس يدعم تطور البنية التحتية الاقتصادية والتكنولوجية في الإمارة.

لم تكن هذه التجربة لتتحقق لولا وجود بنية تنظيمية وتشريعية مرنة ومحفّزة للابتكار، حيث قامت الهيئة العامة للطيران المدني ومركز النقل المتكامل بدور محوري في مراقبة التجربة والإشراف على جميع الجوانب المتعلقة بسلامة المجال الجوي، لضمان تنفيذ العملية وفقًا لأعلى معايير الأمن والسلامة.

وقد أُجريت التجربة ضمن إطار تشغيلي متكامل، يشمل نظام ملاحة ذكي ومحدّدات جغرافية دقيقة تم إعدادها مسبقًا لضمان نجاح المهمة، حيث تم نقل طرد فعلي من مكتب بريد محلي إلى نقطة تسليم باستخدام طائرة مسيّرة مجهّزة بتقنيات رفع وتوجيه متقدمة، في منطقة مدينة خليفة في أبوظبي، ما أتاح اختبار النموذج في بيئة حضرية حقيقية.

• عمران مالك، مدير SAVI في مكتب أبوظبي للاستثمار، أشار إلى أن هذه التجربة تمثّل واحدة من أبرز التطبيقات العملية لما تسعى الإمارة لتحقيقه ضمن رؤيتها المستقبلية، حيث تتكامل التقنية مع التخطيط الحضري لتقديم نموذج لمدن المستقبل. وأكد أن دعم المكتب لهذه المشاريع نابع من إيمانه العميق بأهمية الاستثمار في الابتكار لتعزيز التنوع الاقتصادي.
  
• أما حميد صابر الهاملي، مدير إدارة النقل الجوي في مركز النقل المتكامل، فقد أكد أن هذا المشروع يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من تنظيم المجال الجوي، تتيح دمج الطائرات المسيّرة ضمن منظومة النقل الحالية بشكل سلس وآمن، مع مراعاة جميع الجوانب التنظيمية والبيئية.
  
• من جانبه، أوضح راشد المناعي، الرئيس التنفيذي لشركة LODD، أن هذه التجربة تعكس الإمكانات الهائلة لتقنيات الدرونز، إذ تتيح للمشغّل الواحد إدارة عدة عمليات توصيل في آنٍ واحد، ما يزيد من كفاءة الأداء ويقلّل من التكاليف التشغيلية ويُسرّع من زمن التوصيل، خصوصًا في المدن ذات الكثافة السكانية العالية.
  

فوائد ملموسة تعيد رسم مشهد التوصيل الحضري

لا تنحصر أهمية هذه التجربة في بعدها التقني فقط، بل تشمل سلسلة من المنافع الاستراتيجية التي من شأنها إعادة تعريف أسلوب تقديم الخدمات اللوجستية، ومن أبرز هذه الفوائد:

• تحقيق كفاءة تشغيلية عالية عبر أتمتة عمليات التوصيل، وتقليل الاعتماد على المركبات الأرضية.
  
• تسريع عمليات التوصيل، خصوصًا في المناطق الحضرية المزدحمة، بفضل المسارات الجوية المختصرة.
  
• تعزيز الاستدامة البيئية عبر تقليل البصمة الكربونية الناتجة عن وسائل النقل التقليدية.
  
• رفع مستوى مرونة الشبكات اللوجستية، من خلال إمكانية التوسع الجغرافي بشكل سريع وفعّال.
  
• دعم الاقتصاد الرقمي، عبر استخدام أنظمة تحكم ذكية وربطها بتقنيات التتبع اللحظي وسلاسل التوريد.
  

المرحلة التالية: خطة توسّع طموحة لخدمة مختلف مناطق أبوظبي

بحسب الجهات المنفّذة، فإن هذه التجربة لا تمثل سوى البداية لخطة أوسع تشمل توسيع نطاق استخدام الطائرات المسيّرة في التوصيل اللوجستي داخل أبوظبي، عبر مراحل مدروسة ستشهد دمج هذه التقنية ضمن شبكات البريد، التوصيل التجاري، الخدمات الحكومية، وربما حتى التوصيل الطبي.

وتهدف هذه الخطة إلى إنشاء شبكة جوية ذكية تغطي مناطق متعددة داخل الإمارة، وتُدار عبر أنظمة مركزية متصلة بذكاء اصطناعي، تُمكّن من تخطيط وتوزيع المهام بدقة وكفاءة.

 أبوظبي بوابة الشرق الأوسط للتنقل الجوي الذكي

مع هذا الإنجاز، تثبت أبوظبي مرة جديدة أنها ليست فقط مدينة تتبنى التكنولوجيا، بل هي قائدة لتطبيقها وتوطينها في المنطقة، مستفيدة من بيئة استثمارية مرنة، وشبكة تنظيمية ناضجة، ورؤية حكومية واضحة.

ولا شك أن نجاح هذه التجربة سيفتح الأبواب أمام مزيد من الاستثمارات والشراكات الدولية في قطاع النقل الجوي الذكي، ويدفع باتجاه تطوير تشريعات جديدة تُواكب التطورات التقنية وتدعم ريادة أبوظبي كمركز عالمي للابتكار.