آخر الأخبار
سباق الذكاء الاصطناعي: كيف غيرت ديب سيك موازين القوى في المنافسة العالمية؟

في أحد أزقة بكين، حيث تُرسم ملامح المستقبل بصمت في معامل الأبحاث والمختبرات، جلس ليانغ ونفينغ، مؤسس “ديب سيك”، أمام شاشات عملاقة تعرض أداء أحدث إبداع لشركته: النموذج اللغوي “آر1”. بنظرة فاحصة، تابع ونفينغ البيانات تتدفق، وكل رقم يعكس إنجازًا جديدًا للصين في سباق الذكاء الاصطناعي.
لم يكن هذا الإنجاز مجرد خطوة صغيرة؛ بل كان إعلانًا صاخبًا بأن الصين لم تعد مجرد متابع للموجة التكنولوجية التي تقودها الولايات المتحدة، بل أصبحت منافسًا شرسًا، رغم العقوبات المفروضة عليها والتي تمنعها من الحصول على الشرائح الأكثر تقدمًا. ومع ذلك، تمكن “آر1” من الوصول إلى مستويات أداء توازي، وربما تتفوق، على نموذج “أو1” من شركة “أوبن إيه آي” الأميركية، رغم اعتماده على شرائح أقل تطورًا من “إنفيديا”.
ناقوس الخطر يُدق في واشنطن
عندما تناقلت وسائل الإعلام العالمية خبر إطلاق “آر1″، لم يكن البيت الأبيض غافلًا عن تأثيره. الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، المعروف بمواقفه الحادة تجاه الصين، لم يتردد في التعبير عن مخاوفه قائلاً: “دق ناقوس الخطر”، معبرًا عن قلقه من قدرة الصين على تجاوز القيود المفروضة عليها. في الوقت ذاته، تحولت بكين إلى ساحة احتفالات، حيث تمت دعوة ونفينغ لحضور ندوة رفيعة المستوى برئاسة رئيس الوزراء لي تشيانغ، تقديرًا لإنجازه الذي وضع الصين على طريق الريادة في الذكاء الاصطناعي.
لكن “ديب سيك” لم تكن سوى رأس الحربة في معركة أوسع. شركات صينية أخرى سارعت لإثبات وجودها في هذا السباق، وأصدرت نماذج جديدة تسعى لتحدي العمالقة الغربيين.
صعود العمالقة الجدد
في 29 يناير، وبينما كانت الصين تحتفل بعطلة رأس السنة القمرية الجديدة، كشفت “علي بابا كلاود” عن نموذجها الجديد “كوين 2.5-ماكس”، مدعيةً أنه يتفوق على “آر1” وحتى على نموذج “لاما 3.1” من ميتا عبر 11 معيارًا مختلفًا. لكن إعلانها في وقت إغلاق الأسواق أثار التكهنات حول كونه محاولة للاستفادة من الزخم الذي أحدثته “ديب سيك”.
على الجانب الآخر، كانت “زيبو”، الشركة الناشئة والمدعومة من “علي بابا”، تواجه تحديًا مختلفًا. ففي 15 يناير، أدرجتها الولايات المتحدة ضمن قائمة العقوبات، متهمةً إياها بدعم التقدم العسكري الصيني. ورغم ذلك، واصلت “زيبو” تطوير تقنياتها، وأصدرت تطبيق “أوتو جي إل إم”، الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي للتحكم في الهواتف الذكية بالأوامر الصوتية المعقدة.
سباق الشركات الناشئة
لم تكن “زيبو” وحدها في ساحة المنافسة، فقد دخلت “مونشوت إيه آي” السباق بإطلاق نموذج “كيمي كي 1.5″، والذي جذب الأنظار بقدرته الفائقة على معالجة 200 ألف حرف صيني دفعة واحدة، بل ورفعت سقف التحدي بإصدار نسخة محسنة قادرة على التعامل مع مليوني حرف.
أما “بايت دانس”، الشركة الأم لتطبيق تيك توك، فاختارت اللعب على وتر السعر، إذ أطلقت نموذج “دوباو 1.5 برو” بسعر أقل من نصف تكلفة “ديب سيك” وبفارق هائل عن “أوبن إيه آي”، مما قد يغير قواعد اللعبة في سوق الذكاء الاصطناعي.
تينسنت.. الذكاء الاصطناعي في خدمة الإبداع
بعيدًا عن النماذج اللغوية، لم تكن “تينسنت”، عملاق التكنولوجيا والألعاب، لتتخلف عن الركب. أطلقت “هونيون”، أداة تحويل النصوص إلى فيديو، مدعيةً أنها تضاهي “لاما 3.1” من ميتا بكفاءة عالية وباستخدام جزء بسيط من قدرة الحوسبة التي استخدمتها ميتا.
هل تتفوق الصين على الولايات المتحدة؟
مع كل هذه التطورات، أصبح السؤال المطروح ليس ما إذا كانت الصين قادرة على اللحاق بالولايات المتحدة، بل متى ستتجاوزها؟ فرغم العقوبات والتحديات، تواصل بكين ضخ استثمارات ضخمة، حيث خصصت 60 مليار يوان (8.21 مليارات دولار) لتسريع وتيرة الابتكار في الذكاء الاصطناعي.
ما يثير القلق في واشنطن هو أن “ديب سيك” ليست سوى البداية. فالسباق الآن لم يعد بين شركة وأخرى، بل بين دولتين تتنافسان على الهيمنة التكنولوجية لعقود قادمة. وكما قال مات شيهان، الخبير في الذكاء الاصطناعي الصيني: “إذا كانت الحكومة الأميركية تعتقد أن سحق ديب سيك سيوقف الصين، فيجب أن تتهيأ للمزيد من المفاجآت غير السارة.”
إن مستقبل الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد معركة تجارية، بل أصبح ساحة معركة استراتيجية تحدد من سيقود الابتكار والتكنولوجيا في القرن الحادي والعشرين. ومع استمرار هذا السباق المحموم، يبقى السؤال الأكبر: هل سنشهد قريبًا لحظة تفوق الصين على الولايات المتحدة، أم أن هناك مفاجآت أخرى تنتظرنا في الأفق؟