آخر الأخبار
جهاز ياباني مبتكر يحاكي العين البشرية في التعرّف على الألوان ويوفّر الطاقة ذاتيًا

في خطوة جديدة تفتح آفاقًا واعدة لتقنيات الذكاء الاصطناعي والرؤية الحاسوبية منخفضة الطاقة، نجح فريق من الباحثين اليابانيين في تطوير جهاز ثوري يتمثل في مشبك صناعي ذاتي التشغيل يحاكي طريقة عمل المشابك العصبية في الدماغ البشري، لا سيما في ما يتعلق بقدرتها على تمييز الألوان. واللافت في هذا الابتكار أنه لا يعتمد على مصدر طاقة خارجي، بل يستمد طاقته مباشرة من الخلايا الشمسية الدقيقة المدمجة فيه، مما يجعله مثاليًا للاستخدام في الأجهزة الطرفية الذكية كالمركبات ذاتية القيادة، والأجهزة القابلة للارتداء، والهواتف الذكية.
مشكلة أنظمة الرؤية الحاسوبية التقليدية
في السنوات الأخيرة، أصبحت أنظمة الرؤية الآلية حجر أساس في العديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، من السيارات ذاتية القيادة إلى الأجهزة المنزلية الذكية، إلا أنها ما تزال تواجه تحديات كبيرة من حيث استهلاك الطاقة والمعالجة المعقدة للبيانات البصرية. فلكي تتمكن هذه الأنظمة من تمييز الأجسام والألوان والحركات، عليها معالجة كميات هائلة من البيانات التي تتطلب معالجات متقدمة وذاكرة قوية، وكل ذلك يؤدي إلى استهلاك طاقة عالٍ قد لا يناسب الأجهزة المحمولة أو الصغيرة.
وهنا تأتي أهمية النموذج البيولوجي للبشر، وتحديدًا النظام البصري في الدماغ، حيث تتولى العين والدماغ مهمة تصفية البيانات بصريًا قبل معالجتها، مما يجعل العملية أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة وأكثر دقة في الفهم. ومن هذا المبدأ نشأت الحوسبة العصبية (Neuromorphic Computing)، التي تهدف إلى تقليد طريقة معالجة الدماغ للمعلومات باستخدام أنظمة إلكترونية ذكية.
الابتكار الياباني: مشبك صناعي يعمل بالطاقة الشمسية
استنادًا إلى هذا التوجه، قام فريق بحثي بقيادة الدكتور تاكاشي إكونو (Takashi Ikuno) من جامعة طوكيو للعلوم (TUS) بتطوير جهاز متناهي الصغر يعمل كـ “مشبك عصبي صناعي”، لكنه يتميز عن غيره من الأجهزة بعدة نقاط جوهرية:
- القدرة الفائقة على تمييز الألوان بدقة تصل إلى 10 نانومتر، وهي دقة تقارب دقة العين البشرية.
- التشغيل الذاتي دون الحاجة لمصدر طاقة خارجي، إذ يعتمد كليًا على خلايا شمسية حساسة للأصباغ تستجيب لأطوال موجية مختلفة من الضوء، مما يمكّنه من إنتاج الطاقة اللازمة لعمله.
وبخلاف الأنظمة الضوئية الكهروضوئية التقليدية التي تحتاج إلى مدخلات كهربائية مستمرة، يولد هذا الجهاز طاقته بطريقة عضوية تشبه طريقة عمل خلايا العين، مما يجعله نموذجًا مثاليًا للحوسبة الطرفية منخفضة الطاقة.
كيف يعمل الجهاز؟ ولماذا هو مختلف؟
يعتمد التصميم على دمج نوعين من الخلايا الشمسية المصغّرة، كل منها مصمم للاستجابة لطول موجي معين من الضوء. عند تعرض الجهاز للضوء، يتم توليد إشارات كهربائية دقيقة تختلف باختلاف اللون أو الطول الموجي، وهو ما يسمح للجهاز بتحديد اللون بدرجة دقيقة للغاية.
كما أن الجهاز لا يكتفي برصد الألوان، بل يستطيع تنفيذ وظائف منطقية اعتمادًا على هذه الأطوال الموجية، ما يعني أنه بإمكانه التفاعل وفهم الأوامر أو الأنماط البصرية دون الحاجة إلى معالجات ضخمة.
إثبات الكفاءة عبر نظام “الحوسبة بالخزان الفيزيائي”
لاختبار فاعلية الجهاز، استخدمه الفريق ضمن إطار يُعرف بـ الحوسبة بالخزان الفيزيائي (Physical Reservoir Computing)، وهو نظام مستوحى من طريقة عمل الدماغ في معالجة المعلومات المعقدة. وفي التجربة، تم استخدام الجهاز لتحليل حركات بشرية بسيطة مثل المشي، أو رفع اليد، تم تسجيلها باستخدام 3 ألوان فقط (أحمر، أخضر، أزرق). كل لون كان يمثل بُعدًا معينًا من الحركة: الاتجاه، الشكل، أو السرعة.
وكانت النتيجة مبهرة، إذ استطاع الجهاز تمييز 18 نوعًا مختلفًا من الحركات بدقة بلغت 82%، وهو رقم يعد مرتفعًا جدًا بالنظر إلى أنه ناتج عن جهاز صغير لا يستهلك طاقة كهربائية خارجية.
التطبيقات المحتملة واسعة النطاق
الآثار المترتبة على هذا الابتكار تمتد إلى عدد كبير من الصناعات:
- المركبات الذاتية القيادة: تحسين قدرة السيارة على تمييز الإشارات والعلامات والأجسام المحيطة دون استنزاف البطارية.
- الرعاية الصحية: أجهزة مراقبة حيوية دقيقة يمكن ارتداؤها دون الحاجة إلى الشحن المستمر.
- الهواتف الذكية: تحسين قدرات الكاميرا وتطبيقات الواقع المعزز والافتراضي دون التأثير على عمر البطارية.
- الأجهزة القابلة للارتداء: مثل النظارات الذكية والساعات التي تستفيد من الرؤية الدقيقة والطاقة الذاتية.
يقول الدكتور إكونو إن هذا الابتكار ليس مجرد تقدم تقني، بل خطوة جوهرية نحو بناء أنظمة رؤية إلكترونية “تشبه العين البشرية” في طريقة عملها، من حيث الدقة في التمييز، والتفاعل الذكي مع البيانات البصرية، واستهلاك الطاقة المنخفض.
كما أن هذه التكنولوجيا تمهد لتطوير مستشعرات بصرية دقيقة ذات كفاءة عالية في استخدام الطاقة، يمكن أن تُدمج في كل شيء من السيارات وحتى العدسات الذكية.