آخر الأخبار
أنثروبيك تطور تقنية ثورية لحماية نماذج الذكاء الاصطناعي من إساءة الاستخدام

يتسارع تطور الذكاء الاصطناعي، وتزداد المخاوف بشأن كيفية استخدام هذه التقنيات الثورية بشكل غير مسؤول. فمع زيادة الاعتماد على نماذج الذكاء الاصطناعي في مجالات حساسة مثل الرعاية الصحية، التعليم، والصناعة، أصبح من الضروري حماية هذه الأنظمة من الاستغلال. وهنا، تبرز أنثروبيك، شركة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، التي قررت اتخاذ خطوة جريئة ومبتكرة لحماية النماذج التي تطورها من أي إساءة أو تهديدات.
البداية: تطوير تقنية “المُصنّفات الدستورية”
في أحد مختبرات البحث والتطوير التابعة لشركة أنثروبيك، بدأ فريق من العلماء والمهندسين بتطوير تقنية تهدف إلى تعزيز الأمان في نماذج الذكاء الاصطناعي. تمثل هذه التقنية في نظام أمني جديد أطلق عليه اسم “المُصنّفات الدستورية”. الفكرة كانت بسيطة ولكنها جريئة: حماية النماذج من أن يتم استخدامها لإنتاج محتوى ضار أو خطير، من خلال إضافة طبقة حماية ذكية تعمل على فحص كل المدخلات والمخرجات.
هذه التقنية لا تقتصر على مراقبة البيانات التي تدخل النظام فقط، بل تشمل أيضًا ما يخرج منه. الفكرة كانت واضحة: أن يكون هناك “دستور” من القواعد التي تحدد ما هو مقبول وما هو مرفوض في المحتوى الذي يتم توليده. هذا “الدستور” لا يتوقف عند الحدود التقليدية، بل يمكن تعديله ليواكب التهديدات الجديدة والمتزايدة من محاولات الاستغلال.
التهديدات الكبرى: “اختراق الذكاء الاصطناعي”
لم تكن فكرة الأمان هذه مجرد تدبير وقائي، بل كانت نتيجة لتزايد التهديدات الكبرى التي يواجهها مجال الذكاء الاصطناعي. كان هناك تصاعد في محاولات “اختراق الذكاء الاصطناعي”، والمعروفة أيضًا باسم Jailbreaking. هذه الظاهرة تتضمن استغلال الثغرات الأمنية في النماذج للتلاعب بالذكاء الاصطناعي، مما يتيح للمهاجمين توليد محتوى غير قانوني أو ضار. في بعض الحالات، كانت هذه المحاولات تتضمن تقديم تعليمات للنموذج لصناعة مواد خطرة مثل الأسلحة الكيميائية.
في الوقت نفسه، كانت شركات أخرى مثل مايكروسوفت وميتا تتسابق لتطوير حلول أمنية لمواجهة هذه التهديدات. مايكروسوفت قدمت تقنية “الدروع التوجيهية” (Prompt Shields)، بينما كانت ميتا قد طرحت نموذج “حارس التوجيه” (Prompt Guard) في وقت سابق، على الرغم من أنه واجه بعض الثغرات في البداية، لكنه تحسن مع مرور الوقت. ومع هذه المنافسة المتزايدة، كانت أنثروبيك بحاجة إلى تقديم حل مبتكر يتماشى مع التطورات الأمنية.
النتائج: نجاح النظام في التصدي للهجمات
عندما تم تفعيل تقنية “المُصنّفات الدستورية” لأول مرة على نموذج Claude 3.5 Sonnet، كانت النتائج مذهلة. فقد أظهرت التجارب أن التقنية الجديدة استطاعت رفض أكثر من 95% من محاولات الاختراق. وفي المقابل، عندما كانت هذه التقنية غير مفعلّة، كانت نسبة الرفض لا تتعدى 14% فقط.
كان مرينانك شارما، أحد مهندسي أنثروبيك، سعيدًا بما حققته هذه التقنية. قال في إحدى مقابلاته: “التحدي الأكبر بالنسبة لنا كان في كيفية مواجهة التهديدات الحقيقية مثل صناعة الأسلحة الكيميائية. لكن ما يجعلنا فخورين حقًا هو قدرة النظام على التكيف السريع مع التهديدات المتغيرة.”
التحديات: توازن الأمان والكفاءة
لكن لم يكن الطريق مفروشًا بالورود. فإضافة طبقة أمنية إضافية على النموذج لم تكن بدون تكلفة. حيث كشفت أنثروبيك أن تفعيل هذه التقنية يرفع استهلاك الموارد الحاسوبية بنسبة 24%. في وقت تزايدت فيه التحديات المتعلقة بتكلفة تشغيل هذه النماذج المتطورة، كانت الشركة بحاجة إلى تحقيق توازن بين الأمان والكفاءة.
على الرغم من ذلك، كانت أنثروبيك واضحة في تصريحاتها بأنها لم تتخل عن الأمان من أجل الكفاءة. قالت الشركة أن زيادة معدلات الرفض غير الضرورية كانت “طفيفة” مقارنةً بما واجهته شركات أخرى مثل Gemini و Llama 2 في بداياتهم.
البحث المستمر: برنامج “مكافآت اكتشاف الثغرات”
ومع تطور التهديدات، قررت أنثروبيك أن تشارك المجتمع الأمني في تطوير تقنياتها، عبر إطلاق برنامج “مكافآت اكتشاف الثغرات”. هذا البرنامج يتيح للباحثين الأمنيين فرصة الإبلاغ عن أي ثغرات قد يجدونها في النظام مقابل مكافآت مالية تصل إلى 15,000 دولار. هذه الخطوة لم تكن مفاجئة، حيث كانت تهدف إلى ضمان أن تكون جميع الثغرات محتواة قبل أن يتمكن أي طرف خبيث من استغلالها.
الأمان أولًا
في النهاية، فإن قصة أنثروبيك هي قصة من التفاني في الابتكار والاستجابة السريعة للتهديدات المتزايدة في عالم الذكاء الاصطناعي. من خلال تطوير تقنية “المُصنّفات الدستورية”، وضعت الشركة معيارًا جديدًا في كيفية حماية النماذج من الاستخدامات الضارة. وفي الوقت نفسه، تعمل على إيجاد التوازن الصعب بين الأمان والكفاءة، مما يجعلها واحدة من الشركات الرائدة التي تقود الطريق نحو الذكاء الاصطناعي المسؤول والآمن.
ومع تزايد الاهتمام بهذا المجال، من المتوقع أن تستمر أنثروبيك في تطوير تقنيات أمان مبتكرة، تضمن حماية النماذج المتطورة وتساهم في جعل عالم الذكاء الاصطناعي أكثر أمانًا لجميع المستخدمين.