آخر الأخبار
الذكاء الاصطناعي في قفص الاتهام بعد موجة حظر غامضة على إنستجرام

شهدت منصّة إنستجرام خلال الأيام الأخيرة موجة حظر جماعي لمجموعة كبيرة من المستخدمين، ما أثار عاصفة من الجدل على منصات التواصل الاجتماعي، ودفع كثيرين إلى التساؤل عن السبب وراء هذه الإجراءات المفاجئة، خصوصًا مع تصاعد النظريات التي تتحدث عن تدخل الذكاء الاصطناعي وتسببه في تلك القرارات، في مشهد اعتبره البعض نذيرًا مبكرًا لما يمكن أن يحدث عندما تفقد الخوارزميات السيطرة على مصير المستخدمين.
وعلى الرغم من أن شركة “ميتا” المالكة لإنستجرام لم تُصدر أي بيان رسمي يوضح أسباب الحظر، فإن آلاف المستخدمين عبّروا عن استيائهم، مشيرين إلى أنهم لم يخالفوا سياسات الاستخدام أو ينتهكوا إرشادات المجتمع، وهو ما فتح الباب واسعًا أمام اتهام أنظمة الذكاء الاصطناعي المعتمدة في الإشراف الآلي على المحتوى.
تصاعد الغضب… وتحركات جماعية
ردة الفعل لم تتوقف عند حدود التذمر الفردي، بل تطورت إلى تحركات منظمة، حيث قام عدد من المتضررين بإطلاق عريضة عبر موقع “Change.org”، مطالبين بمحاسبة شركة “ميتا” على ما اعتبروه “قرارات مجحفة وغير مبررة”.
وتجاوز الأمر مجرد التوقيع الإلكتروني، إذ طرح بعض المستخدمين فكرة رفع دعوى قضائية جماعية ضد الشركة، مدّعين أن اعتماد المنصة على الذكاء الاصطناعي في إدارة المحتوى دون مراجعة بشرية قد يؤدي إلى ظلم المستخدمين، وانتهاك لحقوقهم الرقمية.
هل الذكاء الاصطناعي هو السبب فعلاً؟
من الناحية التقنية، لا توجد دلائل قاطعة حتى الآن تؤكد أن الحظر الجماعي كان ناتجًا عن خطأ في أنظمة الذكاء الاصطناعي، إلا أن الشبهات تتزايد بسبب توقيت الإجراءات، وطبيعة الحسابات المحظورة، وروايات المستخدمين التي تجمع على أنهم لم يقوموا بأي نشاط غير مشروع.
وبحسب تقرير نشره موقع “Android Headlines”، فإن الفرق بين الإشراف البشري والآلي هو أن البشر يستطيعون تقييم المحتوى بناءً على السياق والمعنى، وهو ما لا يستطيع الذكاء الاصطناعي فهمه بالكامل حتى الآن. وبالتالي، ما قد يعتبره النظام الآلي خرقًا للسياسات، قد يكون بريئًا من منظور بشري.
ويبدو أن إنستغرام أصبح أكثر اعتمادًا على تقنيات “التعلم الآلي” في الأشهر الأخيرة، وهو أمر طبيعي في سياق التوسع الكبير للمنصة وعدد المستخدمين. غير أن ذلك يطرح إشكاليات جديدة، أبرزها ما إذا كان من المناسب ترك مصير حسابات المستخدمين لخوارزميات قد تخطئ في التقدير دون تدخل بشري.
تجارب سابقة على منصات أخرى
إنستغرام ليس أول من يواجه أزمة من هذا النوع. فقد سبقه تطبيق بينترست (Pinterest) الذي واجه بدوره انتقادات حادة مطلع هذا العام، بعد أن نفّذ عمليات حظر جماعي أثارت استياءً كبيرًا بين المستخدمين.
وبعد موجة الغضب، اعترفت الشركة لاحقًا بأن ما حدث كان “خطأ داخليًا”، لكنها نفت أن تكون تقنيات الذكاء الاصطناعي وراءه، وهو ما زاد الشكوك حول ما إذا كانت الشركات التقنية تتردد في الكشف عن الدور الحقيقي الذي تلعبه الأنظمة الآلية في مراقبة المستخدمين.
من جهة أخرى، يرى البعض أن هذه الحوادث تُعدّ نتيجة طبيعية لتحوّل المنصات الاجتماعية إلى كيانات تعتمد بالكامل على الأتمتة في محاولة لضبط المحتوى بكفاءة وسرعة، لكنها في الوقت ذاته تخلق نوعًا من “العدالة الباردة”، حيث لا مكان للفهم الإنساني ولا للتقدير الشخصي للحالات الفردية.
تحديات مستقبلية وأزمة ثقة
التحدي الأكبر الذي تواجهه شركات التكنولوجيا اليوم لا يتمثل فقط في تحسين دقة خوارزميات الإشراف، بل في إدارة الثقة مع الجمهور. فقد أصبح كثير من المستخدمين يشعرون بأنهم مجرد بيانات داخل نظام لا يعترف بصوتهم ولا يمنحهم الفرصة للدفاع عن أنفسهم أمام قرارات تعسفية.
وفي ظل هذه الأزمة، تبرز دعوات بضرورة عودة العامل البشري في قرارات الحظر والإشراف على المحتوى، أو على الأقل توفير آليات مراجعة شفافة وسريعة، تتيح للمستخدم الاعتراض على القرارات الآلية بطريقة عادلة.
هل نعيش بدايات “تمرد الخوارزميات”؟
رغم أن الحديث عن “تمرد الذكاء الاصطناعي” يبدو للوهلة الأولى مستمدًا من أفلام الخيال العلمي، فإن الواقع التقني يُشير إلى أننا نعيش بالفعل مرحلة من الفوضى الرقمية الصامتة، حيث تُنفذ الخوارزميات قرارات مهمة تؤثر على حياة ملايين الأشخاص، من دون رقابة حقيقية، أو مساءلة واضحة.
هذه الأزمة الأخيرة، وإن كانت صغيرة في سياق عالم التكنولوجيا الشاسع، إلا أنها تطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل العلاقة بين الإنسان والخوارزمية، وحول حدود الذكاء الاصطناعي، وأين يجب أن تتوقف سلطته في صناعة القرار.