آخر الأخبار
انهيار عملة OM: مأساة رقمية جديدة تهز سوق الكريبتو وتفتح الباب للتساؤلات والمحاسبة

في واحدة من أقسى الضربات التي تلقاها سوق العملات الرقمية منذ سنوات، انهارت عملة OM التابعة لمنصة Mantra بشكل صادم خلال أقل من 24 ساعة، مما أدى إلى تبخر أكثر من 5.5 مليار دولار من قيمتها السوقية. هذا الانهيار الحادّ لم يأتِ كنتيجة لتحولات سوقية اعتيادية، بل وسط اتهامات مباشرة ومتصاعدة بوقوع عملية احتيال من نمط “سحب البساط” (Rug Pull)، وهو أحد أكثر الأساليب المخادعة شيوعًا في عالم الكريبتو.
منذ إطلاقها، روّجت مؤسسة Mantra لعملة OM كمشروع ثوري يهدف إلى تحويل العقارات والممتلكات المادية إلى أصول مشفرة قابلة للتداول عبر البلوكتشين، ما فتح لها باب الشراكات الكبرى، بما في ذلك تعاون معلن مع Google Cloud وشركة داماك العقارية، أحد أبرز اللاعبين في قطاع التطوير العقاري في الشرق الأوسط.
هذه الشراكات، إلى جانب التصميم التقني الجذّاب ومفهوم “التمويل اللامركزي للأصول”، ساهمت في جذب آلاف المستثمرين الذين رأوا في العملة فرصة استثمارية ذهبية. وخلال أشهر قليلة، ارتفع سعر العملة ليبلغ ذروته في فبراير الماضي متجاوزًا 9 دولارات.
لكن الأمل سرعان ما تحوّل إلى صدمة، إذ شهدت العملة يوم الأحد انهيارًا دراماتيكيًا قاد سعرها من 6.3 دولارات إلى 0.37 دولار فقط، قبل أن تستقر عند حدود 0.71 دولار، وسط ذهول المستثمرين ومراقبي السوق.
عقب الانهيار مباشرة، غصّت منصات التواصل الاجتماعي وخصوصًا منصة X (تويتر سابقًا) بتقارير ومزاعم تشير إلى أن جهة داخلية – إما من الفريق المطوّر أو من كبار صناع السوق المرتبطين بالعملة – قد قامت ببيع أكثر من 90% من العملة المتداولة، مما أحدث انهيارًا فوريًا في السعر.
وما زاد الطين بلة هو حذف المجموعة الرسمية للمستثمرين على تطبيق تيليجرام، وهي خطوة أثارت ذعرًا وغضبًا واسعَين، واعتُبرت مؤشرًا قويًا على محاولة الهروب من المحاسبة وإخفاء الأدلة.
ورغم أن Mantra نشرت بيانًا مقتضبًا على حسابها الرسمي حاولت فيه تهدئة الموقف، وأكدت أن ما جرى ناتج عن “تصفيات غير منضبطة من جهات خارجية”، إلا أن النفي جاء متأخرًا ومبهمًا، ولم يتضمّن أي أدلة أو تفاصيل تقنية، ما زاد من حدة الانتقادات والغضب داخل مجتمع الكريبتو.
الانهيار الأخير أعاد إلى الأذهان ما حدث سابقًا مع عملة Terra Luna في عام 2022، والتي مثّلت لحظة محورية في ما بات يُعرف لاحقًا بـ”شتاء الكريبتو”، وكذلك مع منصة FTX التي انهارت بعد فضائح مالية وانكشاف تلاعبات مؤسسها سام بانكمان-فريد، والذي يقضي اليوم عقوبة بالسجن بعد إدانته بالاحتيال.
ورغم التحذيرات المستمرة من خبراء السوق والتنظيمات الجزئية التي بدأت بعض الدول في تطبيقها، لا يزال سوق العملات المشفرة أرضًا خصبة للاحتيال والتلاعب، بفضل غياب القوانين الواضحة في أغلب المناطق وافتقار كثير من المستثمرين للوعي الكافي حول المخاطر المرتبطة بهذا النوع من الأصول.
مع تكرار هذه الحوادث، تزداد المطالبات بضرورة تدخل الجهات التنظيمية سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة أو حتى دول الخليج، لفرض معايير حماية للمستثمرين، وإنشاء كيانات رقابية قادرة على مراقبة عمليات الإطلاق والتداول والتمويل في هذا السوق غير المستقر.
وما يزيد من حساسية الوضع أن عملة OM لم تكن مجرد مشروع عشوائي صغير، بل عملة مرتبطة باتفاقيات مع شركات كبرى ووعود بمستقبل لامركزي للعقارات، ما يجعل من الصعب تصنيفها كاحتيال واضح في الوقت الحالي، ويعقّد من إمكانية الوصول لحقيقة ما جرى.
إن ما حدث مع عملة OM يمثل تذكيرًا جديدًا – ومؤلمًا – بأن عالم العملات المشفرة ما يزال محفوفًا بالمخاطر والتقلبات العالية. وعلى الرغم من الوعود الكبيرة والأفكار الطموحة التي ترافق العديد من المشاريع، إلا أن الثقة وحدها لا تكفي.
ومع تنامي الدعوات لمحاسبة المسؤولين عن هذه الكارثة الرقمية الجديدة، تبقى الحقيقة الأهم: من دون تنظيم قوي، وشفافية مطلقة، ومساءلة قانونية، سيبقى المستثمر العادي هو الحلقة الأضعف في لعبة محفوفة بالأسرار والمخاطر.